احمد الفرطوسي
يشتهر أهالي محافظة المثنى ومنذ عشرات السنين بصناعة العباءة الرجالية وبأنواعها وأصنافها وأشكالها المختلفة، وقد تكلم عنها المستشرقون الأجانب في كتبهم، والتي كل ما تقدم بها الزمن ازدادت أصالة وأصبحت فناً تراثياً عريقاً، لتصنف على أنها من التراث الشعبي الذي تميزت به المدينة عن باقي المحافظات العراقية والدول العربية، حيث الأنامل التي تحرك خيوط الحرير (الحياكة) في شارع (سوق العبي) هذا كان في السابق، أما اليوم فقد غزا المستورد كل أنواع الملابس، ومنها العباءة الرجالية، ولتسليط الضوء على أنواعها وتاريخ صناعتها كان هذا التحقيق.
مهنة متوارثة
وكانت البداية مع الحاج علي الزيادي (66 عاما)، الذي قال لـ(الصباح) «إن مهنة صناعة العباءة الرجالية هي مهنة ورثتها من أبي الحاج مهدي العبايجي الذي بدوره ورثها عن أبيه، وهذه الصناعة من الصناعات اليدوية القديمة في العراق، كون أغلب سكانه يرتدون الزي العربي التقليدي، والسماوة حالها حال مناطق العراق الأخرى، الكثير من سكانها يتوزعون بين مناطق مختلفة من البادية، مما ساعد على ازدهار هذه الصناعات ازدهاراً كبيراً، اذ تعتبر السماوة ثاني محافظة عراقية في حياكة العباءة بعد محافظة النجف الأشرف».
إقبال دول الخليج لجودتها
وبين «يرجع تاريخ هذه الصناعة في المدينة الى اكثر من 70 عاما، وقد طافت العباءة السماوية أغلب دول الخليج والمنطقة العربية لجودتها من حيث الخيط المستخدم وقوة الحياكة، وهي على أنواع مختلفة، منها: العباءة (الحياوية أو المجرية) ويرجع تسمية هذا النوع من العباءات إلى منطقة الحي في محافظة واسط والتي هي على أنواع، بحسب الفصول الزمنية والمناسبات والأماكن التي يرتادها الشخص، فلفصل الصيف أنواعٌ خاصة تختلف عن فصل الشتاء».
منوعة بحسب فصول السنة
وكشف «أن العباءة تقسم بشكل عام إلى أربعة أنواع، فمنها: الصيفية والتي تسمى (البشت) الخفيفة الوزن، ومنها اليدوية (المغزل) وأيضا (الصناعية)؛ العباءة الأخرى التي تسمى (البهارية)، والتي تلبس في المدة الربيعية والخريفية ويكون وزنها خفيفا، والنوع الثالث والذي يسمى بـ(الدگاك) ويرتديها الرجال في فترة الشتاء ويكون وزنها أكثر من 2 كيلو ونصف الكياو غرام، ويكون أغلبها صناعية لصعوبة حياكتها
يدوياً».
الحزينة والمفرحة
وتابع في القول: «أما من حيث المناسبات (الحزينة، المفرحة)، فهناك العديد من العباءات التي تكون مخصصة لها، منها: ما تسمى بالعباءة السوداء (الخاچية) والتي يكون صوفها أبيض وتتم صباغته إلى اللون الأسود»، وزاد في قوله: «وهناك من يصنفها حسب الأماكن، حيث تسمى العباءة التي يرتديها الرجال في المنطقة الغربية والشمالية من العراق والخليج العربي بـ(الكلبدون)، أي التي تطرز مناطق منها بخيوط باللون الأصفر الذهبي ويكون من مناشئ فرنسية، ويابانية، ويأتي عن طريق سوريا والأردن».
المغزل والصناعي
بينما تحدث حسين ياسر عن أنواع العباءة من حيث الصناعة ( 44 عاما) «تقسم العباءة الرجالية الى قسمين من حيث الصناعة.
فمنها اليدوية والتي لها تسمية شعبية أخرى وهي (المغزل) والتي تحاك بالمغزل اليدوي أو الماكنة القديمة (الجومة)، والتي يفضلها كبار السن ويعدّونها تراثاً يتجدد والتي هي في طريقها للانقراض بسبب قلة شرائها وارتفاع
أسعارها».
ويضيف ياسر «أن القسم الآخر، فهو الصناعي التي تدخل في حياكته الآلات الحديثة التي راج العمل بها بعد عام 2003 لانفتاح العراق على الدول الأخرى والتي تكون أقل كلفة وأرخص ثمناً مع منظر مقبول، ويقتنيها أغلب الناس، أما العباءة اليدوية فتكون ذات أسعار مرتفعة تصل أحياناً إلى خمسة عشر مليون ونصف مليون دينار والتي لا يجنيها
إلا القليل».
صوف الخروف ووبر الإبل
أما عن نوعية الأصواف والخيوط المستخدمة في صناعة العباءة، قال أحمد الصواف ويعمل في سوق السماوة الكبير (43 عاما):
«إن هناك العديد من الأصواف والخيوط المستخدمة في صناعة العباءة الرجالية، أما الأصواف فهي تؤخذ من صوف الخروف ووبر الإبل وحسب لونه، يكون لون الصوف وكذلك تتم صباغته بعد ذلك حسب اللون الذي تكون عليه العباءة وتصنف إلى أنواع منها (الكرناوي) و(البشت) و(النجفي) و(الدكاك) المستخدم في العباءة الشتوي».
ويتابع الصواف «أما الخيوط المستخدمة حياكتها فهو الحرير الطبيعي الذي يستخرج من حشرة دودة القز، التي تتم تربيتها في مزارع خاصة وتكثر في الصين وكذلك خيط البريسم الفرنسي والصيني وكذلك الخيط الهندي
والياباني».
وبيّن «إنه كلما تكون الخيوط أرفع تكون العباءة أغلى سعراً لصعوبة حياكته».
حاضرة في معرض
بغداد الدولي
وقال الحاج أبو أمير من سكان مدينة الرميثة (80 عاما): «في كل سنة كنا نشارك مع بائعي العباءة في معرض التراث العراقي المقام في معرض بغداد الدولي السنوي، وبدعوة من إدارة المعرض وبقسم خاص يضم العديد من أنواع العباءة العراقية من مختلف الانواع، التي تتميز بأصالتها وتراثها العريق وقد حصلنا على شهادات تقديرية لمشاركتنا في
المعرض».
وعن تجارتها بين الماضي والحاضر، قال الحاج أبو محمد صاحب محل في سوق الخضر القديم بائع (50 عاما): «إن تجارة العباءة الرجالية أفضل منها قديماً من الوقت الحاضر، خاصةً بعد دخول الآلات الحديثة المستخدمة في الحياكة، وأن الكثير من صناعها قد تركوا المهنة لما فيها من الربح
القليل».
وكشف «إن سوق العبي يرتاده الزبائن من كل أنحاء العراق، وإن من أهم رواد هذه الصناعة التراثية هم شيوخ العشائر والقبائل العربية في القرى والأرياف، لأنهم أكثر استخداماً للعباءة، لأنه تعدُّ الزي الرسمي
لهم».