محمد شريف أبو ميسم
حدثني أحد أولادي، أن وسائل الإعلام المحلية نقلت تصريحا عن مصدر حكومي، كشف بموجبه عن ارتفاع متوسط دخل الفرد في العام 2021 الى 6 آلاف دولار، متسائلا، (هل هذا يعني أنني كفرد حصلت على 6 آلاف دولار في العام الماضي؟).
ولا أخفيكم سرا أنني شعرت بالحرج من إحالات السؤال وكأنني صادرت المبلغ من جيبه بوصفي مسؤولا عن الشؤون المالية في المنزل، الأمر الذي دفعني للاسهاب في التوضيح ومن ثم كتابة هذا العمود؛ بغية إماطة اللثام عما يتردد بين الفينة والأخرى بهذا الشأن في وسائل الإعلام.
إذ لا يقصد بمفهوم “متوسط دخل الفرد” الأموال التي يحصل عليها الأفراد خلال سنة واحدة، وإنما هو حاصل قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان، وليس له علاقة بواقعية أو عدم واقعية توزيع الثروة، لأن الناتج المحلي الاجمالي يمثل أداة من أدوات قياس الأداء الاقتصادي، إذ إنه القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي تقوم بإنتاجها أي دولة، ومعيارا شاملا لقياس الانتاجية، ويتم على أساسه أيضا بالقياس لعدد السكان، ترتيب الدول الى دول غنية ودول فقيرة، وعادة ما تعود القيمة الاجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية لأصحاب الرساميل من القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين في مشهد اقتصاد السوق بعد استقطاع الضرائب منها. أي أن الدولة تكون المعنية بايرادات الوعاء الضريبي والرسوم الجمركية فقط، إذ يضطلع القطاع الخاص بوظائف القطاعات الحقيقية والقطاعات الساندة لها وصولا الى حد خصخصة وظائف الدولة في نظام ليبرالية السوق، فيما تعود القيمة الاجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية للدولة في نظام اقتصاد الدولة، وقد ينعكس ذلك وتحديدا في نظام اقتصاد الدولة على مستوى الدخل الفردي.
وبناءً عليه فإن مؤشر ارتفاع متوسط دخل الفرد لايعني بالضرورة مؤشرا لارتفاع الدخل الفردي الذي يشمل الأموال النقدية والممتلكات غير النقدية التي يحصل عليها الأفراد خلال فترة زمنية محددة بفعل ايرادات ناتجة عن حقوقهم في ملكية الريع أو الاستثمارات أو الرواتب والمكافآت وغيرها، وهذه الايرادات التي تشكل دخل الفرد عادة ما يشار لها اقتصاديا بعد استقطاع الضرائب منها، ولا يؤشر “متوسط دخل الفرد” لرفاهية الأفراد في نظام ليبرالية السوق، حتى وان كانت تلك الدولة من مجموعة دول العشرين التي يشار اليها بوصفها الأقوى اقتصاديا بين دول العالم، ومن بينها الهند والبرازيل مثلا، إذ يقال إنهما يشهدان ارتفاعات هائلة في الناتج المحلي الاجمالي، إلا أن معدل الفقر في هاتين الدولتين يترواح بين 20 الى 30 بالمئة منذ سنوات.