رجالُ الفتنة

العراق 2022/02/10
...

أحمد عبد الحسين
 
هناك دول تدخلُ الحربُ الأهلية في صلب تكوينها. ليست الحرب فيها طارئة، بل فترات السلم القليلة استثناء، هدنات لالتقاط الأنفاس بانتظار جولة جديدة من الاحتراب.
مكوّنات الدول أربعة هي الأرض والشعب والحكومة والسيادة. لكنْ في الدول التي تتزلزل فيها الأقاليم وتغدو مشكوكاً بها وبحدودها تبعاً لانقسام الشعب قومياً وطائفياً تضعف الحكومة بظهور قوى تهيمن بالسلاح والمال والاستقواء بالأجنبيّ فلا يبقى للسيادة معنى، حينها يولد تلقائياً مكوّن خامس لا سبيل إلى تلافيه: الفتنة.لبنان والعراق مثالان مثاليان على ذلك. عند كل أزمة، صغيرة كانت أو كبيرة، تطلّ فكرة الحرب الأهلية برأسها. والديمقراطية ليستْ قادرة على أن تبعد هذه الفكرة من رؤوسنا بل هي تؤكدها، فبعد كل انتخابات تُحبس الأنفاس خوفاً من أن تكون نتائجها صافرة بدء شوط آخر في مباراة صراعنا الذي لا ينتهي.
يحذر الساسة هذه الأيام من الفتنة، فتنة الاقتتال الداخليّ، لكنّ خبرة العراقيين وحصافتهم تخبرهم أنَّ كثرة التحذيرات تعني في ما تعنيه أنَّ الحرب بالنسبة لهؤلاء هي الحلّ الأخير، وأنَّ خطاباتهم أقرب شيء إلى تسوية الأرض وحفر الخنادق وبناء المتاريس استعداداً لتطبيق القاعدة الذهبية العراقية "الحرب عند كلّ أمر مشكِل".
تاريخنا تاريخ فتنة. ولطالما سُوّيتْ مشكلاتنا السياسية بهذه الطريقة البشعة لا لشيء إلا لأنَّ القائمين على الأمر هم في الحقيقة أقلّ من أن يكونوا ساسة وأكبر من أن يعترفوا بأخطائهم أو أن يتنازلوا ويتسامحوا.تراهم يخوّف بعضهم البعض بالحرب، وكلهم يدرك أنها المخرج الوحيد لهم من المأزق. بالنسبة لأبناء الفتنة هؤلاء فإنَّ السِلم هو الذي يربكهم ويتركهم حيارى.وإلا ماذا يفعل بالسلام رجالٌ أثقلوا أرواحهم وأجسادهم بالسلاح والمال الحرام وثقافة الفتنة المقدسة؟