أحمد عبد الحسين
لا شيء يحدث بلا سبب.
بتعبير الحديث النبويّ الشريف: "أبى اللهُ أن يجري الأمور إلا بأسبابها"، وبتعبير شكسبير في الملك لير: "لا شيء يأتي من لا شيء".
طوال السنوات العجاف زمن الدكتاتور كان هناك تضليلٌ عامّ يجري تلقينه لنا صباح مساء يتلخص في أنَّ محنة العراق هي قَدَرُ العراق، وأنَّ المصائب التي كانت تترى أشبه ما تكون بالكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير وأنْ لا سبيل إلى تلافيها لأنَّ ذلك خارج نطاق مسؤولية البشر، وأكبر من أن تُنسَب إلى أحد بعينه، لأنّها من فعل "القَدَر". وهذه الكلمة كانت تتكرر بإفراط "قَدَر العراق" أو "قدر العراقيين" إلى الحدّ الذي أقنع كثيرين بتلازم وجودي قائمٍ بين العراق والعذاب.
لحظة محاكمة صدام وما سبقها من إذلال له حين القبض عليه وما تبعها في مراسيم إعدامه، كانت مدهشة ومحيّرة لهذا السبب، لأنها كسرتْ "مسلّمة" القضاء والقدر وقيّضتْ لنا رؤية سبب مآسي العراق مجسّدة في شخص يقف في قفص وتجري مساءلته عما فعل.
يعمد القاتل إلى التخلّص من سلاح جريمته سريعاً، وأفضل طريقة يمكن أن يخفي بها أدوات جرمه هي أن يحفر حفرة عميقة ويطمرها في أرض بعيدة عن الأنظار. هذه الأرض اسمها القضاء والقدَر.
كثير من ساسة العراق اليوم يريدون استصحاب النهج السابق. هناك مأساة تجري أمام أنوفنا، هدر فلكيّ للأموال، قتل للمتظاهرين وتغييب لآخرين، انفلات أمنيّ أسقط محافظات وهجّر الملايين، بطالة وتعطيل للإعمار واستسلام لإرادة الأجنبيّ. وفي كلّ ذلك يجري الحديث عن هذا الجحيم وكأنه من صنع الطبيعة لا من صنع رجال ببدلاتٍ رسمية وأربطة عنق.
"قدَرُ العراق" ليس قَدَرياً، بل صنعه أشخاص أحياء مستعدون لفعل كلّ شيء من أجل تأخير لحظة وقوفهم في قفص.