تعقيدات تشكيل الحكومة بينما العراق يخوض التحديات

العراق 2022/02/20
...

 شيفان فاضل / كلية لندن للاقتصاد / ترجمة : أنيس الصفار                                              
إذ تمضي عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في طريقها المثقل بالمشكلات، يجب على النخبة السياسية في هذا البلد أن تتأمل كيف أنهك نهج تقاسم السلطة الحكومات المتعاقبة إلى أن أوصل بلدهم إلى منعطف حرج. بالمقاطعة والتهديدات وتفويت السقوف الزمنية المحددة يتخذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة منعطفاً مألوفاً لا يدعو للتفاؤل، فمنذ العام 2003 اكتنف عملية تقاسم السلطة في العراق شكل من أشكال الاتفاق بين النخب صار يعرف بالمحاصصة. نتيجة لذلك غدت الحكومات تشكل عبر المساومات المطولة على المواقع والمناصب التي ترجى منها المكاسب والتخصيصات المالية الدسمة والتعيينات، أما السياسة وأولويات التنمية والتطوير فقد انسحبت إلى المقاعد الخلفية.
كانت تبعات هذا النهج سيئة على العراق ومواطنيه الذين خرجوا إلى الشوارع للتنفيس عن احباطاتهم المتراكمة إلى أن تمكنوا من إسقاط الحكومة في العام 2019. بعد ذلك حلت جائحة "كوفيد- 19" وانتكست أسعار النفط في العام 2020  فأضافت إلى مشكلات العراق الاجتماعية والاقتصادية تعقيدات جديدة، لذا تحتم على عملية تشكيل الحكومة الجديدة التي ابتدأت رسمياً في شهر كانون الثاني عقب انتخابات عامة أجريت في شهر تشرين الأول الماضي أن تتخذ مساراً مختلفاً.
في 8 شباط كان مفترضاً بالبرلمان الجديد أن ينتخب رئيساً جديداً للجمهورية، وهي الخطوة التالية في تشكيل الحكومة بعد إعادة انتخاب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبيه في 10 كانون الثاني. كان موقع رئاسة الجمهورية محجوزاً للكرد بشكل غير رسمي منذ 2003، بيد أن التنافس السياسي الناشب بين الحزبين الكرديين الحاكمين، وكذلك بين أكبر كتلة شيعية يقودها مقتدى الصدر، الذي يعتزم تشكيل حكومة أغلبية بمساندة من الحزب الديمقراطي الكردستاني وأكبر كتلتين سنيتين، ومجموعة من الأحزاب الشيعية الأخرى المعروفة باسم "الإطار التنسيقي" المعترضة على محاولة استبعادها من تشكيل الحكومة المقبلة، أدت كلها إلى حالة من الجمود والانسداد.في 13 شباط حالت المحكمة العليا في العراق دون تسمية مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لمنصب الرئاسة، وكان زيباري قد جرد من منصب وزير المالية في العام 2016 عقب مزاعم بالفساد. كان نتيجة هذا استعصاء آخر وربما ضياع أسابيع أخرى من الخلافات المعلنة وصفقات الغرف الخلفية. كل هذا يحدث بينما يناضل العراق لتدبر شؤونه من دون حكومة عاملة. 
 
عقبات بوجه الإصلاح
يواجه العراق تشكيلة متنوعة من التحديات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تبقى تتداخل وتتشابك فيقوي بعضها بعضاً، وكان قصور الخدمات أو انعدامها، مثل الكهرباء والرعاية الصحية والماء، من أهم أسباب الشكوى التي أذكت جذوة الاحتجاجات. كذلك هناك آفة الفساد المستشرية في مفاصل النظام السياسي بفضل واردات النفط وغياب المحاسبة وعدم وجود نظام مصرفي فاعل.
معالم تردي الخدمات الأساسية وضياع الفرص الاقتصادية أخذت تتفاعل اليوم مع تأثيرات التغير المناخي المتفاقم، إذ أدى الجفاف وما صاحبه من ترد بيئي إلى تراجع مستوى الحياة في المناطق الريفية الجنوبية المعروفة تاريخياً بكونها الأشد فقراً وبأنها نقطة انبثاق الاحتجاجات ضد الحكومة. هذا كله أسفر عن حدوث هجرة من الأرياف وتكوين مستوطنات غير رسمية ولا مخطط لها عند أطراف المدن العراقية، الأمر الذي سلط إجهادات إضافية على الموارد البلدية لتلك المدن. 
الوضع المزري الذي انتهت إليه الخدمات العامة وتداعي البنى التحتية في البلد غدت أعراضا تشهد على مدى الضعف الذي آلت إليه الدولة والشلل الحكومي وفشل النظام السياسي في فترة ما بعد 2003. 
تنازع النخب الطائفية والعرقية على السلطة في العراق جاء على حساب الإدارة الفاعلة للموارد العامة، وأسفر عن خنق النمو الاقتصادي والحوكمة السليمة وتوفر الخدمات. هذه النخب عملت بشكل ثابت على تقويض الجهود الهادفة للتخلص التدريجي من المحاصصة ومن تدخل الأحزاب في قضايا الخدمات العامة. 
نهج التسويات السياسية أدى إلى إنتاج حكومات ضعيفة لا تملك السلطة على صياغة خطط للتنمية الوطنية بعيدة المدى تمكّن الحكومات المتعاقبة من توحيد برامجها. بدلاً من ذلك صرنا نرى الحكومات الجديدة تنحو إلى اقتلاع أية خطط وستراتيجيات وضعتها الحكومات السابقة لها، ثم تعيد صياغة خطط قصيرة الأجل تنحصر في قطاعات معينة، ابتداء من الصفر، ومن بعد ذلك تشكل فرق إدارة جديدة للعمل على وضعها موضع التطبيق. هكذا أصبح الافتقار إلى استمرارية الإصلاح من حكومة إلى أخرى عقبة أساسية كبرى في طريق التقدم.
 
الخيار الصارم.. التغيير أو الفشل
أمام الحكومة الجديدة فرصة لأن تكون أفضل من سابقاتها. أولاً ينبغي على هذه الحكومة، برغم المحاصصة، أن تحكم عقد اتفاق مع النخب العراقية يجعل هذه النخب تعزل وظائف الدولة الأساسية عن السياسة. المطلوب هو إيجاد كيانات مستقلة من التكنوقراط تتولى الإشراف على إدارة وتطبيق ستراتيجيات بعيدة المدى، لديها القدرة على الاستمرار ومواصلة العمل برغم تغير 
الحكومات.
المسألة الثانية هي أن على الحكومة الجديدة إعطاء الأولوية لاستمرارية الإدارة وتواصلها في القطاعات الحيوية. يجب أن يكون المبدأ الأساس هو فرض خطط وستراتيجيات الإصلاح فرضاً ومواصلة دعمها وفق الخطوط التي وضعها السابقون، مدعومة بمساندة المجتمع الدولي، وإبقاء طواقم العمل الكفوءة المؤهلة في مكانها وعدم استبدالها. كذلك على البرلمانيين، لاسيما أولئك الذين برزوا من بين صفوف حركة الاحتجاج ويخططون لتحدي مبدأ المحاصصة من خلال البقاء خارج الحكومة المقبلة وتشكيل كتلة معارضة، أن يدعموا الحكومة في مسعاها لفرض الإصلاحات التي طال 
انتظارها.
طالما بقيت النخب السياسية العراقية على نهجها المعهود ومقاومتها المساعي الهادفة لإعادة البلد إلى السكة السوية، فإن أفق الاقتصاد العراقي ومعه أفق رفاه الأسرة العراقية، لن يزدادا إلا قتامة على قتامة. لا شك أن الغضب الشعبي سوف يخرج العراقيين حشوداً إلى الشوارع والساحات وقد يسفر الأمر عن إسقاط حكومة 
أخرى.
تأثيرات ذلك كله في استقرار بلد يعاني أصلاً من الهشاشة، قد تتحول إلى شيء لن يعود بالإمكان تجاهله.
(أل أس إي)