أحمد عبد الحسين
المتحوّر أوميكرون ليس التطوّر الوحيد لكوفيد ـ 19 لكنه الأكثر شيوعاً. ثمة آلاف النسخ من فيروس كورونا، فهو ينسخ نفسه باستمرار مع تغييرات طفيفة. يشبّه علماء الفيروسات الأمر كما لو أن أحدهم يعيد كتابة جملة شعرية من خلال استبدال كلمة بأخرى مرادفة لها، لا تبطل المعنى السابق بل ربما ـ وهنا مكمن الخطر ـ تجعله أقوى.
الفيروس ليس كائناً حيّاً لكنه مع ذلك لا يريد أن يموت. هو في سباق محموم مع الإنسان الذي يطوّر لقاحاته لئلا يفنى هو الآخر. هذه معركة لم تبدأ أمس ولن تنتهي غداً على الأرجح.
أمرٌ تراجيديّ أنْ تناضل ضدّ كيان غير عاقل وهبته مقاديره حيلة واسعة يستطيع بها أن يصنع نسخاً متكررة من نفسه ويداهمنا من حيث لا نحتسب باسم آخر، وربما بقدرات أخرى أشدّ فتكاً.
والتراجيديا ذاتها نطالعها في تصدّي الإنسان لكل أنواع الشرور، إنها لا تظهر نفسها بوجه واحد مرتين، بل بتغييرٍ طفيف وغير مرئيّ تقدّم نفسها بهيأة جديدة. وقد نتعرّف على جوهرها الذي يتستر عليه اسمها الجديد، لكنْ بعد فوات الأوان.
الفساد شرّ مطلق عميم، وبرغم كثرة الهاتفين ضدّه والساعين إلى القضاء عليه، وبرغم تكاثر المؤسسات التي أُنشئتْ للحدّ منه، تراه ينسخ نفسه في صيغٍ تحوّر قليلاً من خواصّه لكنّها لا تمنع فتكه. كان اسمه محاصصة، وبه وُزّعتْ ثروات البلاد بين أفراد قلائل بصحبة أسرهم ومريديهم ومطبليهم، ومع بلوغ الاحتجاجات الشعبية ذروتها، أراد هذا الفيروس إحداث تغيير طفيف في خارطته الجينية من خلال تغيير اسمه وبعض صفاته. صار اسمه توافقاً وهو الآن في طريقه لإكمال حياته باسمه الجديد. الفيروس لا يستسلم بسهولة. لكنّ الإنسان هو الآخر يعرف أن الاستسلام لهذه الطفيليات يعني موته واندثاره وبقاء الأرض ملكاً لموجودات جشعة غير حيّة وغير عاقلة ومع ذلك ترفض أن تموت!