{إنقاذ الجندي رايان}.. صرخة بوجه حماقة البشر وتوحشهم

الصفحة الاخيرة 2022/02/21
...

  ستيفن جي روبين
  ترجمة: مي اسماعيل
غيّر فيلم {إنقاذ الجندي رايان} للمخرج ستيفن سبيلبيرغ منظور الأفلام الحربية بعده، وطرح رؤية عن تأدية الدين الكبير الذي ندين به لكل جندي في القوات المسلحة، للتضحيات الكبيرة التي قدمها للوطن.
ونال سبيلبيرغ ثناء كبيراً عن فيلمه؛ لكن الحقيقة أنه لم يكن متأكداً حينها أن أحداً سيشاهد الفيلم الذي أطلق في تموز سنة 1998، استذكر سبيلبيرغ قائلا: "لم أكن أتوقع نجاح الفيلم؛ فمنذ عرض اللقطات الأولى قال لي بعض المساعدين وغيرهم إنه {خشن جداً}، وخشيت أن أحداً لن يراه بعد تناقل ذلك الوصف، ألهم الفيلم جيلا جديداً من مخرجي أفلام الحرب بعد مشاهد مثل إنزال النورماندي وحصار قرية راميل؛ فتبنى عديدون منظور سبيلبيرغ لتقديم البطل وتحريك الحشود ومشاهد الإنزال البحري. 
استخدم سبيلبيرغ جميع الأدوات التقنية التي يمتلكها لصناعة الأفلام في إخراج مشهد إنزال القوات العسكرية على ساحل النورماندي الفرنسي، وشاهد الجمهور (في مشاهد تخطف الأنفاس) الجنود الأميركان وهم يبادرون بفعل ما يبدو كأنه خط غير قابل للكسر من التحصينات الألمانية وعوائق الشاطئ والقوة النارية؛ وهو ما لم يجرؤ فيلم حربي على تقديمه بذلك الوضوح طيلة خمسين سنة من صناعة السينما.
 
منظور مختلف
كان سبيلبيرغ مسحوراً بدراما الحرب العالمية الثانية، ونتائجها وتاريخها، وحينما أُعطي كاميرا في مطلع شبابه؛ اختار تقديم الكثير من القصص الحربية، وكانت الحرب العالمية الثانية (كما يستذكر) حديثاً مستمراً في منزل الأسرة، وكان والده (الجندي السابق) يستضيف العديد من رفاق الخدمة العسكرية الذين سردوا ذكرياتهم، أما الممثل توم هانكس فقد كان مراهقا ً آخر مفتوناً بتاريخ الحرب، ومتابعاً وفياً لأفلام التلفاز عن وثائقيات الحرب؛ وهذا كما يقول هانكس، "عزز من تفاهمنا أنا وسبيلبيرغ"، يرى هانكس أن الأفلام التي سبقت "إنقاذ الجندي رايان" لم تتطرق لأسلوب الطرح نفسه؛ قائلاً: "تطور مبدأ النظر إلى المغامرة العسكرية ليصبح تحليلاً لمبدأ الحماقة الإنسانية المستمرة بالذهاب إلى الحروب أساساً".
لا يدين النجاح العالمي للفيلم للتقديم العالي الواقعية في إخراج سبيلبيرغ فحسب؛ بل أيضاً للقصة الممتعة المستندة على نص روبرت رودات، ومجموعة الممثلين الجيدين، من بين هؤلاء كان أدوارد بيرنز؛ وهو ممثل ومنتج وكاتب ومخرج سينمائي؛ في دور الجندي الأول "ريتشارد ريبن"، كذلك منح سبيلبيرغ فرصة ذهبية غيرت المسيرة المهنية للممثل "فن ديزل"؛ الذي كان يسعى جاهداً للحصول على أدوار في هوليوود (بنجاح قليل)، قدم ديزل شخصية الجندي الأول "أدريان كابارزو"، وهو عمل يعتبره بيرنز، "التجربة الأعظم والأكثر احترافية بالنسبة لي".
كما هو الحال مع ديزل؛ لم يكن دور الجندي "ستانلي "فيش" ميليش" قد تبلور بعد حينما كُلِّف به الممثل "آدم غولدبرغ"؛ الذي قال: "لم يكن دوري مكتوباً حينما جرى اختياري؛ وكما هو الحال مع عدد من الممثلين الذين لم تكن أدوارهم مكتملة؛ أجرينا مقابلة الاختيار بقراءة نصوص من فيلم "وضوح منتصف الليل" الحربي (المُنتج قبل سنوات)"، وكان الممثلون الثلاثة قد قدموا أعمالا من إخراجهم قبل أدوارهم التمثيلية في "إنقاذ الجندي رايان"، فاز الممثل توم سيزمور بدور الرقيب الفني "مايك هورفاث"، اليد اليمنى للنقيب "جون ميلر" (توم هانكس)؛ وهو ممثل لم يكن مفترضاً وجوده في هذا الفيلم؛ إذ كان سيزمور قد تعاقد على العمل في فيلم "خيط أحمر رفيع" لــ"تيرينس مالك".
 
اختبار لماضٍ حقيقي
كان سبيلبيرغ يبتكر عدداً من المشاهد أثناء التصوير، ومنها مشهد الممثل "جيرمي ديفز" الذي أدى دور مترجم الكتيبة العريف "أبهام" وهو يقف عاجزاً عن مساعدة الجندي ميليش في صراعه ضد الأعداء، وبهذا قدم سبيلبيرغ لحظات لا تُنسى في مسار التصوير، التي لم تكن ضمن السيناريو المكتوب. يقول ديفز: "انتحى بي سبيلبيرغ جانباً وقال إنه استلهم (من مشاهدة تصوير المشاهد السابقة) أنه سيروي القصة من وجهة نظر المترجم أبهام؛ قائلاً إن المترجم يمثل أكثر من غيره من الشخصيات وجهة نظر الجمهور وأغلبهم لن يعيشوا تجربة الحرب أبداً، وإن أبهام كان مُدرباً فقط ليقوم بواجب الترجمة في ظروف غير قتالية".
قال سبيلبيرغ عن إشكالية شخصية النقيب "جون ميلر" التي قدمها توم هانكس: "كان هانكس الرجل البالغ في القصة؛ إذ سبق له تقديم شخصيات الرجل الناضج ولكنه قدم أحياناً شخصاً بالغاً يتصرف كطفل، هنا أدخل هانكس منظوراً لم أشاهده يقدمه في أي فيلم سابق؛ لقد كان الهدوء، فأحسستُ بالأمان في وجود شخصيته، وحينما كانت يداه ترتجفان (وهو أمرٌ ركزنا عليه كثيراً) كان المقصود إدخال الحيرة الى نفوس المشاهدين"، أما هانكس فقال عن دوره: "أردنا اختبار الماضي الحقيقي لمجموعة تشارلي من كتيبة رينجر الثانية، وأين كانوا قبل إنزال النورماندي، عرفنا أن ماضيهم يمتد لمعارك شمال أفريقيا وكارثة معبر "القصرين".. لقد كشفنا تاريخاً مطولاً لمعارك الحرب العالمية الثانية قبل يوم الإنزال؛ ومنه اكتشفتُ جوانب أُخرى لعرض شخصية ميلر وطريقة تفكيره، أعتقد أنه كان خائفاً كثيراً، لأنه لم يرغب أن يتسبب بمقتل جنودٍ آخرين، والتوصل لهذا المبدأ غيّر كل شيء". أخيرا قال هانكس لمجموعة الممثلين معه قبيل الانتهاء من التصوير: "يارجال، أُريد تبادل نخب معكم حول جمال تجربة العمل معكم جميعاً، لقد زرت غرفة المونتاج ورأيت ما ظهر من لقطات، ولدي أخبار طيبة وأخرى سيئة، الأخبار الطيبة أننا حققنا فيلماً مدهشاً جداً، ولو انتهت الأمور كما أظنها ستنتهي سنكون جميعاً جزءاً من تاريخ السينما، إنه فيلم سيعيش طويلاً بعد رحيلنا جميعاً، وستشاهده الأجيال المقبلة، أما الأخبار السيئة فهي أن كل شيء سيسيرُ انحداراً من الآن فصاعدا".
 
صحيفة {لوس أنجليس تايمز}