د. مجيد حمد أمين
مِن وجهة نظري الشخصية ينبغي على السياسي المحنك أن يتحلى ببعض مواصفات رجل الأعمال الحاذق الذي يتعاطى مع عمله بمنظور الربح والخسارة والذي يقوم بجردة حساب قبل الإقدام على أي مشروع ،يستطيع بها مستعينا" بحنكته وخبرته أن يستشف مكامن الفشل أو النجاح في ما يقدم عليه من مشاريع. وهنا مربط الفرس كما يقول مثل الشعبي الدارج في تشبيه واقعنا السياسي في كردستان وما نعانيه من مغامرات حدثت ولازالت تحدث ولا ينبغي لها أن تستمر لأن وضعنا الداخلي والإقليمي لم يعد يحتمل.
ومصداق ذلك أن قرار المحكمة الاتحادية الأخير حول النفط والغاز في الإقليم لم يحظ باهتمام ومتابعة شعب الإقليم، مرة بسبب رائحة الفساد التي أزكمت الأنوف في تلك الموارد وعائداتها والغموض الذي يلفها، الأمر الذي جعل هؤلاء الناس يتجاهلون تداعيات هذا القرار الخطير ومرة أخرى لانشغالهم عنه بتوفير أبسط مستلزمات الحياة والخدمات المفقودة والتي عجزت الحكومات الحالية عن توفيرها وكأني بلسان حال هؤلاء الناس يقول ماذا جنينا من هذا النفط والغاز ؟وأين هي عوائده كي نهتم بما سيحدث له؟.
أعتقد جازما" أن توقيت صدور هذا القرار هو رد إقليمي تأديبي واضح لتوجهات ( البعض )الذي أراد أن يدخل طرفا" في شأن لا يخصنا وفي تحالفات لا تنفعنا مع طرف ضد طرف في سابقة حدثت وللمرة الأولى في خرق نهج اعتمدناه بعد 2003 بخصوصية القرار الكردي وعدم الدخول في تحالفات طولية وشق صفوف شركاء الوطن في نفس الوقت الذي كنا نطالب الآخرين بأن تحترم وحدة قرارنا الكردي وعدم استقطاب طرف ضد آخر.
هذه المغامرة سندفع فيها ثمناً باهظاً لا يعترف البعض بتداعياتها وانعكاساتها متعمدين لتمويه شعب الإقليم وصرف نظره عن حجم الكارثة التي حلت، مكتفين ببعض البيانات الانتقادية والشعارات وحديث المظلومية فيها والقول بتسييس القضاء والتي سوف لن تجدي نفعاً لأنه وببساطة شديدة فإن قرار المحكمة قد نزع الغطاء الشرعي عن السياسة النفطية لإقليم كردستان وزاد من حراجة موقف الإقليم تجاه الدول والشركات العاملة في القطاع النفطي والمستوردة لنفط كردستان ، تلك الدول والشركات لا تود الدخول في مهاترات وتحديات قضائية وسجالات قانونية قد تقوض من أسهمها وأرباحها أمام عملاق نفطي وثاني أكبر بلد من حيث الاحتياطي تتجه أنظار العالم إليه .هنا أقولها وبكل صراحة إن مغامرة دخول الحزب الديمقراطي ( منفردا") في التحالف مع السنة والسيد الصدر تقف خلفها إرادات لا تملك أي بعد نظر سياسي وهي مغامرة كالمغامرة التي استغلت لهفة الوجدان القومي عند الشعب الكردي للاستقلال باستفتاء تم رفضه إقليميا ودوليا، مغامرة لم تمهد الطريق للدولة الكردية كما صورها البعض، هي لم تكن أكثر من محاولة احتاجها البعض للهيمنة والتفرد والتزعم دفعت باتجاه إقامة استفتاء الاستقلال في توقيت مثير للجدل والذي حملنا أعباء لم نكن مستعدين لها وقد كلفنا الكثير الكثير ولا زلنا ندفع ضريبته لليوم بخسارة امتيازات جاهدنا لسنوات للحصول عليها.
لنعترف أن هذه المغامرات وكذلك الصراعات الحالية بيننا كأحزاب وعدم التوافق أدت وستؤدي إلى تراجع الدور الكردي في بغداد، وهذا التراجع ستكون له تداعيات سلبية على إقليم كردستان وحتى على التعاطي بين بغداد وأربيل لحل المشكلات التي تزداد تعقيدا " يوما بعد يوم .
ختاما " وحتى يكون للحديث جدوى لا بد من القول إنه لا زال هناك وقت قد يكون هو الوقت (بدل الضائع) كما يسمى في لعبة كرة القدم لوضع الحلول الكفيلة برأب الصدع وحل معضلة الانقسامات الكردية والصراع الحالي على رئاسة الجمهورية الذي يجب أن يوضع له حد وترسيخ مبدأ الابتعاد عن سياسة المحاور وتكثيف العمل السياسي في بغداد وإحياء التحالف الكردستاني وتشكيل ممثلية قوية في بغداد تمثل جميع القوى الكردية بقيادة متوازنة لها ثقلها الاعتباري والسياسي والمعنوي ووضع خارطة طريق لحل المشكلات وبتوقيتات زمنية مصحوبة بحسن نية وشفافية عالية والكف عن تحميل بغداد وزر مغامراتنا السياسية ،يتم فيها وضع معالجات سريعة، والتركيز على قضيتين رئيستين لا ثالث لهما وهما تشريع قانون النفط والغاز وإنشاء المجلس الاتحادي الذي سيكون صمام الأمان بوجود صوت كردي له رأي في كل السياسات ويعكس حجم ونوع المشاركة التي يبحث عنها الجميع، كما ينبغي أن يتم بذل جهود أكبر لتعزيز وتوضيح مبدأ الفدرالية التي لا زال يجهلها مواطنو الشعب العراقي ليومنا هذا ومنهم قضاة المحكمة الاتحادية الذين كان في وجدانهم وآذانهم صدى صوت المركزية عاليا وصادحاً وحاضرا".