لا أبيض ولا أسود

العراق 2022/02/22
...

أحمد عبد الحسين
 
سُئل المفكّر برهان غليون عن أنظمة الحكم "العلمانية" العربية كنظامي البعث في سوريا والعراق، فقال إن  نظامي الأسد وصدام ليسا علمانيين، وأضاف "أن نظاماً يقف ضدّ التديّن لا يمكن أن  يكون علمانياً"!
المجازر التي ارتكبها النظامان في الثمانينيات ضدّ الإسلاميين أشهر من أن  تُذكر، ولن تمحوها لحية الديكتاتور في القفص ولا حملته الإيمانية التي سبقتْ سقوطه. 
أراد غليون أن من شرائط العلمانية توفير حرية للمتديّن أسوة بغيره وإلا فقدت اسمها. لاحقاً سنقرأ عند هابرماس تشديده على أن  العلمانية مدعوّة للتفتيش عن جذور دينية لها إن هي أرادت أن تتفهم الدين وتستوعبه وتتقبله، لأنّ الخصائص الجدلية التي أسهمتْ في نشوء العلمنة وجعلها خياراً حاضراً هي خصائص مستقاة في الأساس من أدبيات الدين.
ذات الفهم سنجده عند مفكرين معاصرين، أبرزهم الإيراني عبد الكريم سروش الذي وضع عنواناً لافتاً لأحد أهمّ كتبه "الدين العلمانيّ".
عند هابرماس كما عند غليون وسروش، ليس الأمر بين التديّن والعلمانية كالأمر بين لونين أبيض وأسود. أما هذه الشحنات العدوانيّة التي يصدّرها معممون لم يفهموا العلمانية، ومدنيون لم تصلهم سوى شائعات عن الدين، فهي وقود هذه النار المستعرة في وسائل التواصل الاجتماعيّ التي تكون فيها الشائعة أقوى وأكثر حضوراً وتأثيراً من الحقيقة.
 يورد هابرماس في حوار له مقولة أجدها كافية للتدليل على ما أذهب إليه، قال "منذ الحروب الدينية في أوروبا بدأ الانفصال بين الدولة والكنيسة، ولم يتنفس الدين، وخصوصاً الأقليات الدينية، إلا في ظلّ هذه الطبيعة العلمانية للدولة الجديدة".
برغم ذلك كله لا أنسى أن  تاريخ شيء ما هو عين تاريخ القائم عليه، وقد اصطبغتْ صورة الدين "عندنا في العراق مثلاً" بصورة المتحدثين باسم الدين الذين ارتكس كثير منهم في السيئ من القول والفعل، ما جعل الدين يخاطر في أن  يكفّ عن إنتاج معنى ينفع الناس.
لكنّ لهذا حديثاً آخر يطول.