زهور الثورة المكسيكية

فلكلور 2022/02/22
...

ستار كاووش
رحلتنا اليوم مع هذه اللوحة التي رسمها أشهر وأهم فنان مكسيكي، هو رسام الجداريات العظيم دييغو ريفيرا. وهذه اللوحة التي عنوانها (عيد الزهور) تعدّ أكثر لوحاته شهرة، وهي أول لوحة رسم فيها الزهور، هذه المفردة الجميلة التي أدخلها فيما بعد في عشرات اللوحات، وأصبح بائعو الزهور والمحتفلون بها، من أكثر مواضيعه شعبية وشهرة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
تبدو هذه اللوحة وكإنها تصور الحياة اليومية للمكسيك، حيث تقف في الوسط امرأة من السكان الأصليين، تحمل على ظهرها سلة مليئة بزنابق الكالا، حيث تبدو هذه الزهور وكإنها هالة ذهبية مقدسة مثل تلك التي نراها في رسومات عصر النهضة المبكر. تشبك المرأة يديها وتنظر بمزيج من الفرح والحيادية نحو المرأتين اللتين تجلسان أمامها على الأرض وتحمل إحداهما طفلها الصغير على ظهرها بينما تتدلى ظفيرتا المرأة الأخرى لتوازن المشهد.
تنظر المرأتان لحاملة الزهور بترقب وكإن الجميع ينتظر بدء عيد الزهور. ألوان صريحة تعيدنا الى مناخ المكسيك الدافئ، وخطوط بسيطة طيعة رُسمت دون تكلف ولا حذلقة، هكذا يعلن ريفيرا عن عيد زنابق الكالا الذي تشتهر بها المكسيك.
ومن الجدير بالذكر أن زنابق الكالا التي لها رمزية خاصة في الثورة المكسيكية، ليست مكسيكية في الأصل، بل هي تعود إلى جنوب أفريقيا، وقد جلبها الاستعمار الأوروبي إلى المكسيك، ونمت في البلاد وصارت جزءاً مهماً من معالم المكسيك.
ونالت هذه الزهور التي تشبه القبعة المكسيكية، شهرة واسعة بعد أن رسمها ريفيرا، ليدخلها بعدهُ الكثير من الرسامين في لوحاتهم، وتعدت شهرتها الحدود، لتصبح بعدها مفردة أساسية في فن الآرت ديكو. 
دَرَسَ ريفيرا بأكاديمية سان كارلوس وهو في العاشرة من عمره، وسافر إلى أوروبا سنة 1907 ليقضي فيها 14 عاماً تواصل خلالها مع أشهر الفنانين مثل بيكاسو ومودلياني وآخرين، وتأثر بالتكعيبية التي كانت ابتكاراً جديداً في الرسم، ثم فتحَ عينيه على كل التيارات والاتجاهات الجديدة في الفن. وبعد أن عاد إلى المكسيك، ظهرت في أعماله مناخات وتفاصيل ومفردات الحياة في المكسيك وتوضحت وطنيته أكثر حين رسم أعظم جداريات البلاد، تلك الجداريات الضخمة التي عكس فيها قوة موهبته وقدم من خلالها مشاهد ملحمية من المكسيك. وقد مزج في هذه الجداريات تأثيرات فن الأزتيك، والروح العالية وطاقة شعب المكسيك، وتقنية الرسومات الجدارية لعصر النهضة، وأشكال الواقعية الاشتراكية وتبسيط التكعيبية. جمع كل ذلك في هذه الأعمال، ووظَّفَ هذه المصادر بطريقة مذهلة، حيث مازالت هذه الجداريات تمثل كنوزاً نادرة في المكسيك، من ناحية تقنيتها ومواضيعها وتأثيرها الكبير وحجومها العملاقة. 
إضافة للفن العظيم الذي قدمه ريفيرا، هناك محطة مهمة في حياته، وهي ارتباطه عاطفياً بالرسامة فريدا، وعلاقتهما الشائكة والغريبة. ومهما كان تأثير تلك العلاقة عليهما معاً، لكن الأكيد هو أن لريفيرا تأثيراً كبيراً على إبداع فريدا وشخصيتها أيضاً.