يحدث أنْ تدخلَ أمّةٌ بأكملها في حلمِ يقظة عميق؛ عميق إلى الحدّ الذي يتلبّسها فلا تعود تفرّق بين حدود الحلم والواقع. لذيذةٌ ومسكرةٌ أحلام اليقظة لأنّها أوهامنا ورغائبنا عما نريد أن يكون العالمُ عليه؛ وباستغراقنا فيها نكون قد خلقنا عالماً يناسبنا تماماً، مع عيبٍ بسيط وهامشيّ ولا أهمية له يتمثل في كون هذا العالم غير واقعيّ.
نقرأ عن احتلال نابليون لمصر مثلاً، فنجد أن أغلب العالم الإسلاميّ كان مقتنعاً بأن نابليون أسلمَ بحيث أن "مجلس الديوان" وقتها منحه اسم علي بونابرت. هكذا.. بحلم يقظة عموميّ جعلنا من انتصار نابليون انتصاراً للإسلام.
الأمر بسيط كما ترون، ولهذا كررناه مرة أخرى مع هتلر. في ذروة تنكيل الزعيم النازيّ بالأعراق الأخرى وقبل أن يخوض حربه المميتة، أرسلت السعودية الشيخ "خالد الهد الجرقاني" مبعوثاً إليه ليبلغه تضامن المسلمين معه، وبأن ما فعله هو عين ما فعله المسلمون الأوائل الذين طردوا اليهود أولاً ثم أنشؤوا دولتهم. ثم زاره الحاج أمين الحسيني الذي قدّم له فروض الطاعة.
آباؤنا كانوا مقتنعين بأن هتلر أسلم هو الآخر وأن اسمه محمد هتلر، حتى أن الشوارب الهتلرية كانت هي النسخة الرسمية من الشوارب آنذاك قبل أن تأتي شوارب البعث الغليظة وتنسخها.
مساكين آباؤنا وأجدادنا. كانوا يريدون أن ينتصروا فلا يستطيعون، فيلجؤون لحلم يقظة ينقذهم من الخيبة، يجعلون من المنتصر واحداً منهم، يغيّرون اسمه ودينه ويطمئنون.
أتابع هذه الأيام حلم يقظة كبيراً دخله كتّاب ومثقفون "عراقيون خصوصاً" ولم يخرجوا منه للآن. في هذا الحلم يلعب الرئيس الروسي بوتين دور المسلم المؤمن، قائد في فسطاط الإيمان، مجاهد في الخندق الذي يقف قبالة خندق أهل الفجور والكفر.
نحن كآبائنا بحاجة إلى نصر بلا تكلفة، فلم لا نجعل الرجل القويّ من محورنا ونجعل اسمه "أبو علي بوتين"؟
مساكين أجدادنا وآباؤنا
مساكين نحن!