العراقُ المعلّم

العراق 2022/03/03
...

أحمد عبد الحسين
مراسل cbs news الأميركية وجَّه إهانة للعراق قبل أيام. "تشارلي داغاتا" قال ما مؤداه إنَّ العراق أقلّ تحضراً من أوكرانيا. اعتذر الرجلُ بعد أن أنّبه مديره بجملة ساخرة ذكيّة، قال: "تعلّمنا جميعاً في الثانوية أنَّ العراق مهدُ الحضارة، لكنْ يبدو أنَّ الزميل تشارلي كان غائباً عن المدرسة ذلك اليوم".
ليس تنطعاً ولا فائض عصبيّة وطنيّة القولُ إنَّ العراق علّم الإنسانية القراءة والكتابة. هذا بديهيّ. ومن البداهة أيضاً أنَّ كلّ العلوم التي ابتدعها الإنسان من هندسة إقليدس إلى فيزياء الكمّ وعلم الجينات؛ لم يكن ليحوزها لولا أنه يقرأ ويكتب. القراءة والكتابة أصلٌ تفرّعتْ عنه هذه العلوم المعقّدة. الأمر تماماً كاختراع العراقيين القدامى العَجَلة التي وضعها في عربة يجرها ثور، مرّتْ عليها سبعة آلاف سنة فأصبحتْ داخلة في تركيب سفينة فضائية. بهذا المعنى فإنّ المركبة "لوسي" مدينة لتلك العربة، وستيفن هاوكنغ مدينٌ لـ"دودو" كاتب الألواح الطينية.
فكّرت بذلك أمس والعراقُ يحتفل بعيدِ المعلّم.
ذلك الشخص الأول الذي علّمنا القراءة والكتابة في المدرسة الابتدائيّة سيظلّ حاضراً معنا كلّ آنٍ، في كلّ مناسبة نضطرّ فيها لاستخدام الحرف لإنجاز بحث علميّ أو أدبيّ أو إنشاء خطابٍ معرفيّ أو سياسيّ. كلّ ما نفعله في الحقيقة مردودٌ إلى تلك النعمة الرحمانية التي جعلتنا نقرأ ونكتب. 
تتعقّد العلوم وتتنوّع لكنّ لها أصلاً ثابتاً في أوّل كلمة فككناها على يد معلّم أو معلّمة. وتتطوّر الآلات ويتعقّد تركيبها ويتطوّر استخدامها لكنها في الأخير عجلات يرجع الفضل بإيجادها لفلاح سومريّ. وتتطور البلدان وتصبح قويّة منيعة لكنّ لها هي الأخرى أصلاً راسخاً يعود إلى العراق.
ليس هذا فرط عصبية وطنيّة ولا انشداداً للماضي وتغنياً أجوف به. إنه مجرد تذكير بالعراق وبالمعلّم وكيف أنهما في الحقيقة شيء واحد!