حاجتنا إلى البديهيات

العراق 2022/03/05
...

أحمد عبد الحسين
تتذكرون ما كتبه نيتشه في "زرادشت" عن حاجة الإنسان في كلّ يومٍ لعشر حقائق بديهية يكرّرها على مسامعه، بينه وبين ذاته، يعيد تذكير نفسه بعشر بديهيات من قبيل أنَّ الشمس تشرق من المشرق، وتغرب من المغرب، وأنَّ واحداً زائداً واحداً يساوي اثنين، أنّك تتنفس، أنّ قلبك يقوم بعمله دون أمر منك، أنّك ميتٌ في يومٍ ما وأنهم ميتون. هذه البديهيات عظيمة. 
مدربو كرة القدم حين يرون لاعباً فقد تركيزه أو رغبته باللعب، ينصحونه بالتالي: عدْ إلى بديهيات الكرة، لا تفعل شيئاً خارج البديهية، لا تتفننْ لا تراوغ ولا تحاول الإبداع، فقط مرّر الكرة بشكل سليم إلى زميلك، حينها سيعود لك كلّ شيء وستعود كما كنت.
البديهيات تنقذنا من التلف.
لو تذكّر كلّ واحد منّا "خصوصاً السياسيين" حقيقة أنه إنسان لا إله، لانمحى في طرفة عينٍ ربعُ شروره، ولو تذكّر مرة أخرى أنه غير معصومٍ وأن الآخر مثله يناظره في عدم المعصومية لكفّ عن الناس ربع شرّه الآخر، ولو رسّخ في ذهنه بديهية أخرى عن استحالة أن يفرض تفكيره ويحشره في رؤوس الآخرين حشراً أو استحالة أن يعمم طريقة حياته على الآخرين بالقوة والإكراه لانقلع الشرّ كلّه من هذا العالم.
الساسة الذين أوصلوا العالم كلّه هذه الأيام إلى حافّة كارثة كونيّة قد تعصف بنا جميعاً، هم أكثر الناس نسياناً للبديهيات. وربما كان دور المثقف الآن في إعادة تذكير هؤلاء الأقوياء كم هم ضعفاء!
لا يعود السياسيّ النوويّ أو الأقل نووية وحشاً شرساً إذا قال لنفسه كلّ يوم: يا فلان إنك لستَ ربّاً، لستَ معصوماً، إنَّ نسختك من الحقيقة قد تكون بهتاناً، إنَّ دليلك على الحقّ ضرب من التيه، إنَّ العالم لن يتغيّر لمجرد أنّك تريد ذلك، إنّك خطّاء ابن خطّاء ابن خطّاء إلى أوّل الخطّائين.