أحمد عبد الحسين
حين أنزلت الآياتُ الأوَل من سورة الروم تضمنتْ خبراً عاجلاً وتنبؤاً بواقعة قبل حدوثها.
أما الخبر العاجلُ فهو "غُلِبتْ الرومُ" إشارة إلى انكسار جيش الروم أمام الفرس، وأما النبوءة فهي "وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ". ولم تمر سوى ستّ سنوات حتى انتصر الروم.
الآيات توضح أن أهل الجزيرة كانوا على اهتمام عالٍ بهذا الحدث، وكان الناس منقسمين بشأن الأحداث السياسيّة العالمية، فانتصار المسيحيين أفرح المؤمنين بعد أن حزنوا لهزيمتهم أمام عبدة النار.
يقال إنّ ثورة الاتصالات جعلت العالم قرية صغيرة، فما يحدث في "أدنى الأرض" تجد له أثراً في أقصاها، بل أن مفهوم الأدنى والأقصى لم يعد نافعاً إلا في حدّه الجغرافيّ ولا يحمل دلالةً ترفع من شأن حدث أو تحطّ منه. وبجملة واحدة: هو دالّ على المكان لا على المكانة.
لكنْ بالتملّي عميقاً نجد أنّ العالم قرية منذ الأزل. حتى حين كانت السبل مقطوعة بين بني البشر كان من شأن واقعة تحدث في أدنى الأرض أن تكون مؤثرة بمن يسكنون أقصاها. العالم الذي يسكنه الإنسان مصممٌ ليكون صغيراً. وبوجود وسائل التواصل أو بدونها؛ نحن أبناء قرية واحدة.
الحرب الأوكرانية مثلاً جعلتنا منقسمين فريقين متمايزين، وها نحن نرى أثرها عياناً في المتغيّرات السياسية والاقتصادية ولن يكون أحد بمنأى عنها. ومثلها حدث ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي ينشغل به في هذه اللحظة رجل في كيب تاون وسيّدة في سوق مريدي.
من المثير للغرابة، العبارات التي يكتبها روّاد التواصل الاجتماعيّ تعليقاً على الحدث الأوكرانيّ من قبيل "ما شأننا نحن؟" "اتركونا وهمّنا" "لننشغل بأنفسنا".
ما من واقعة تحدث على هذا الكوكب يمكن أن يقال عنها "ما شأني بها". ويقيني أن الآيات الأوَل من سورة الروم حين أُنزلتْ لم يقل أحد من المؤمنين ولا من الكافرين "ما علاقتي بما يحدث في أدنى الأرض؟". لسببين اثنين، الأول: كانوا يعرفون أن الأرض بيت واحد، والثاني: أنهم لم يكن لديهم فيسبوك.