أحمد عبد الحسين
لِسنوات طوال كان السياسيّ يتمرّغ في الفشل والإخفاق وعذرُه على طرف لسانه: «التركةُ الثقيلة التي خلّفها النظام السابق». وبقيتْ هذه الحجّة نافعةً ومقنعة «شكلياً على الأقلّ» إلى سنوات قليلة ماضية. فشلٌ سياسيّ عميم على كل الصعد مع حجّة قوية لا تُردّ. هكذا مضتْ حياتنا السعيدةُ في العقدين الأخيرين.
الآن لا أحد يجرؤ على استخدام هذه الحجّة بعدُ، لا لأنها فقدت القدرة على الإقناع وحسب، وإنما لأنّ السياسيّ وهو يمارس فشله بحماس منقطع النظير خَلق هو الآخر تركةً ثقيلة تضاهي تركة ذلك الزمن الأغبر الغابر.
صارتْ لدى الجيل الجديد حججٌ أكثر إقناعاً لتبرير التقاعس والفشل: الحكومات السابقة منذ 2003 ، فشل القوانين السابقة وإخفاق السياسات المالية السابقة. كلّ ما هو سابقٌ يعيق اللاحق عن أن ينجح.
وفّر صدام لمن أتى بعده حجّجاً ذهبية للفشل كفتْهم مؤونة عشرين سنة، ومع كلّ دورة انتخابية جديدة يولد جيل وفي جيب سترته عذرٌ قويّ: أخطاء وخطايا الجيل السابق، وهكذا دواليك في دورة لا يريد أحدٌ إيقافها لأنها دورة مربحة تتيح لك حريّة أن تكون أخاً للفساد والفشل من أبٍ وأمّ؛ من دون أن تتعرّض للمساءلة.
كلّ أربع سنوات ننهج نفس الطريق؛ فلماذا نتوقّع نتائج مغايرة؟ نسلك سبيل المحاصصة وتوزيع المغانم ثمّ نطلق وعوداً ليست لدينا الهمّة لتنفيذها، وحين نفشل فإنّ حجّتنا أننا ورثنا خطايا الحكومة السابقة التي ورثت خطايا الحكومة التي قبلها التي ورثت خطايا مَن سبقها التي ورثت تركة صدام الذي هو الموزّع الحصريّ والوحيد لكلّ ذرائع الفشل في القرن الحادي والعشرين.
سيناريو مجرّب اعتدنا عليه حتى أحببناه. ولا بأس من تأخير تشكيل الحكومة وشدّ وجذب يضطرب فيه الناس ويقلّ فيه الأمن ويجوع المواطن لنقول لأنفسنا ولكم إننا حاولنا، حاولنا أن نخرج من هذه الدائرة الجهنمية ولم نفلح. ماذا نفعل؟ كان القَدَر العراقيّ أكبر منّا فلنعدْ إلى لعبتنا الأثيرة: سنفسدُ حاضركم ومستقبلكم ونتحجّج بماضيكم. واللهُ يحبّ المحسنين.