درس التربية الفنيَّة ولوازم تطويره

آراء 2022/03/15
...

  علي قحطان العطافي
 
يعد درس التربية الفنية واحداً من الدروس التربوية المهمة والفاعلة في تحسين السلوك الإنساني للطلبة، لخلق جيلٍ واعٍ يؤمن برسالة السماء والإنسانية التي تغرس روح الابداع لرسم الحياة بصيغ جمالية، جوهرها الابتكار واطلاق العنان للخيال، فصدق انشتاين حين قال (الخيال أهم من المعرفة، فالمعرفة محدودة بما نعرفه الآن وما نفهمه، بينما الخيال يحتوي العالم كله وكل ما سيتم معرفته أو فهمه 
الى الأبد).
فالفنون تنمي الوعي وتنشط الذاكرة وتزيد الابداع وتخلق حب المنافسة؛ فالابتكار والخيال مادتان تخلقان تلميذٌا ذكيا تتنشط ذاكرته ومداركه بالفنون الجميلة، كالرسم والخط العربي والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون المبرزة للمواهب الداعمة للمجتمع.  يقول المسرحي اولبريخت: (اعطني خبزاً ومسرحاً اعطيك شعباً مثقفاً)، فمن هنا يتجلى لنا أهمية الفن في تثقيف ونهضة الشعوب. وبما أن التعليم العالي في العراق زاخرٌ بالكليات ومعاهد الفنون الجميلة والتي أنجبت عمالقة من الفنانين الذين رفدوا الساحة المحلية والعالمية بعطائهم الانساني الثر . هنا أصبح لزاما على المعنيين بوزارة التربية الاهتمام برفد هذه الكليات والمعاهد بالمواهب وصقلها من المرحلة الابتدائية (فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر).
وهذه مَهمةَ تتطلب الاهتمام بدرس التربية الفنية في مدارسنا وتوفير جميع السبل لانجاحه، كوننا نمر هذه الايام بسلبيات وباء كورونا والتي انعكست على مجمل مفاصل العمل التربوي، حيث أصبح التركيز على هذا الدرس الفني ضعيفاً قياساً للدروس الاخرى. ناهيك عن المعوقات الاخرى المتوارثة التي تواجه التطور منها قلة الابنية المدرسية والتي أفرزت أبنية بلا مسرح مكتمل من ناحية الانارة والستارة والخشبة. ولا مرسم تتوافر فيه (استاندات) الرسم الكافية ومجهز بألوان كافية ولا قاعة للموسيقى مجهزة بالآلات الموسيقية وأجهزة الصوت ووسائل أخرى، يأخذ فيها معلمو ومدرسو التربية الفنية مجالاً اوسع لزيادة مهارات التلاميذ والطلبة وكشف مواهبهم، ما جعل هذا الدرس يفقد بعضا من حيويته، وهذا ماجعل الملاكات القائمة على هذا الدرس الاعتماد على قدراتهم الذاتية في رفد هذا الدرس المهم بالوسائل المتاحة والمتوفرة. قياساً لدول العالم ومنها الهند والصين وبريطانيا ودول عربية اخرى تحوي مدارسها مسارح ومراسم وقاعات موسيقى ومجهزة بكل الوسائل، وهذا ما نفتقده اليوم في صروحنا وريثة حضارة سومر واشور وأكد، التي علمت البشرية الكتابة والنقش والموسيقى والفنون.
وعليه يجب الاهتمام والنهوض بهذا الدرس لما له من أهمية ثقافية وحضارية في اثراء وقت الطلبة وتنشيط ذاكرتهم وراحة أبدانهم وامتصاص الضغط المدرسي من نفسياتهم، ليزداد عطاؤهم.. عبر مقترحات يمكن أن نطرح أهمها، كتوفير جميع مستلزمات نجاح التربية الفنية من ناحية تخصيص مسرح ومرسم وقاعة للموسيقى في كل مدرسة وتجهيزها بجميع المستلزمات. و تشكيل لجان من النشاط المدرسي باسم كشافي المواهب وبشتى أنواع الفنون تأخذ على عاتقها كشف ودعم المواهب من الطلبة والمعلمين جميعاً. وكذلك ادخال الملاكات التربوية الجديدة بدورات خاصة وبإشراف كليات ومعاهد الفنون لتطوير قابلياتهم. إضافة الى إناطة تدريس مادة تحسين الخط العربي لمعلمي ومدرسي التربية الفنية لتحسين الخط الاعتيادي للطلبة والتلاميذ والحفاظ على هذا الفن، الذي أدرجته اليونسكو على لائحة التراث العالمي المعنوي عام 2021. كما لا يمكن إهمال أهمية إعادة إصدار كراريس وكتيبات أناشيد مدرسية مبسطة منوطة موسيقياً، لدعم دروس التربية الفنية والموسيقى. فضلا عن تفعيل التعاون مع المؤسسات والنقابات الفنية والنشاط المدرسي لدعم الملاكات المشرفة على درس التربية الفنية، والعمل على إصدار منهج للتربية الفنية للمرحلة المتوسطة والاعدادية يحتوي على معلومات عامة عن الرسم وأبجديات الموسيقى والمسرح والخط العربي والنحت والسيراميك والتصميم، إضافة لمعلومات عامة عن الفنانين العراقيين، ويكون تدريسها نظريا مناصفة مع الجانب العملي، ورفد مديريات النشاط المدرسي بمكتبات متخصصة بالكتب والمراجع الفنية لدعم الملاكات التربوية الخاصة.
كما لا يمكن تغافل أهمية بث دروس خاصة بالتربية الفنية للتلاميذ والطلبة، من قبل التلفزيون التربوي وبإشراف ملاكات متخصصة على غرار برنامج المرسم الصغير للفنان الكبير خالد جبر، والاهتمام بالمبديعين ونقل خدمات الفنانين من التربويين المشهود لهم الى النشاط المدرسي، بغض النظر عن تخصصهم للنهوض بالنشاطات الفنية المدرسية خدمة للصالح العام، ويمكن تشجيع الطلبة الموهوبين وتسليط الأضواء على أنشطتهم من خلال إصدار مجلة أو صحيفة شهرية أو فصلية فنية مركزية من قبل مديرية النشاط الرياضي والمدرسي لنشر نشاطات الطلبة الموهوبين لزيادة حافزهم وتنمية مواهبهم.