العراقيون يحيون الذكرى الـ 34 لمجزرة حلبجة

العراق 2022/03/17
...

 بغداد: محمد الأنصاري
 السليمانية: محمد البغدادي
أحيا العراقيون بحزن، أمس الأربعاء، الذكرى السنوية الـ34 لمأساة ومجزرة حلبجة، حين شن نظام البعث المقبور هجوماً بالأسلحة الكيماوية على المدينة في 16 آذار 1988، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء من الأهالي الأبرياء وإصابة آلاف آخرين، وبينما تصاعدت الدعوات لإكمال ملف تحويل المدينة المنكوبة إلى محافظة، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بذل جميع الجهود في هذا المضمار تكريماً لأهلها المضحين. 
وقال رئيس الجمهورية، برهم صالح، في تغريدة على "تويتر"  تابعتها "الصباح": إن "حلبجة، الجرح الغائر في وجداننا، مُجسِدة معاناة الشعب الكردي وكل العراقيين، جريمة الجرائم التي استهدفت كل ما هو حي على هذه الأرض الباسلة".
وأضاف، أنها "لحظة إنسانية أليمة ولّدت العزيمة لمقارعة الظلم والاستبداد والحق في حياة حرة كريمة، حتى أصبح أهلها اليوم رمزا للفداء والصمود والنهوض والحرية".
بدوره، وصف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، حلبجة بأنها "شهيدة الطغيان"، وقال في تغريدة: إن "حلبجة شهيدة الطغيان الشاهد على نضال شعبنا من أجل قيم العدالة ورمز تآخي العراقيين ووحدتهم وأملهم في عراق ديمقراطي تُراعى فيه إرادة الشعب ومصالحه وتصان كرامته وحقوقه".
وأضاف أن "حلبجة تستحق إكمال تحويلها إلى محافظة تكريماً لتضحياتها وسنبذل الجهود لتحقيق ذلك". ودعا رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، إلى الإسراع في حسم الإجراءات اللازمة لتحويل حلبجة إلى محافظة.
وقال الحلبوسي في تغريدة عبر "تويتر": "نقف إجلالاً للأرواح البريئة التي راحت ضحية مجزرة حلبجة، مستذكرين نضال شعبنا الكردي وصبره وتضحياته"، وتابع: "بهذه المناسبة ندعو إلى الإسراع في حسم الإجراءات اللازمة لتحويلها إلى محافظة إكراماً لشهدائها وأهلها".
 
جرائم البعث
من جانبه، دعا رئيس تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم، المجتمع الدولي لاعتبار جرائم النظام السابق جرائم ضد الإنسانية.
وذكر السيد الحكيم في بيان: "أربعة وثلاثون عاماً ولا تزال فاجعة حلبجة الشهيدة تمثل للقيم الإنسانية ذلك الانتهاك السافر، وللضمير الحر ذلك الجرح النازف الذي لا يندمل، وللعالم أجمع ذلك الدليل الصريح على ظلامة شعب عانى من الدكتاتورية، وقدّم التضحيات الجسام وطوابير الشهداء والجرحى على مذبح حريته وكرامته".
وأضاف "وإذ نحيي ذكرى هذه الجريمة الأليمة، ندعو المجتمع الدولي إلى النظر بعين الاعتبار لكل جرائم الإبادة الجماعية ضد العراقيين واعتبارها جرائم ضد الإنسانية". أما النائب الأول لرئيس مجلس النواب حاكم الزاملي، فأكد أن التأريخ لن ينسى جرائم البعث وغايته بتدمير العراق وقتل شعبه. وذكر مكتبه الإعلامي في بيان أن "الزاملي استذكر، الذكرى الرابعة والثلاثين للمجزرة التي قام بها نظام البعث بحق أهالي مدينة حلبجة شمال العراق عام 1988، واستخدامه الأسلحة المحرمة دولياً بضرب السكان العزل المدنيين". 
وقال الزاملي بحسب البيان: إن "العراقيين والعالم وحتى التأريخ لن ينسى هذه الجريمة التي ترقى لتسمية أبشع جريمة شهدها التأريخ الحديث، حيث أقدم البعث المقبور على ضرب مدينة كاملة ليس فيها إلا المدنيون العزل من نساء وأطفال وشيوخ، بأسلحة محرم استخدامها دوليا حتى أثناء الحروب وضد الأعداء، وبشكل أثبت فيه نظام البعث أن هدفه كان تدمير العراق". ودعا النائب الأول لرئيس البرلمان إلى "وجوب تدويل جرائم البعث باعتبارها جرائم ضد الإنسانية والتي لا يمكن إسقاطها بالتقادم، وأن الفترة الظلامية التي عاشها العراقيون في ظل هذا النظام الدموي يجب أن تدفعه نحو التمسك ببناء العراق وتأمين الحياة الكريمة للأجيال القادمة وتعزيز التجربة الديمقراطية الحالية المبنية على أساس المساواة في الحقوق بين الجميع وحرية التعبير ونبذ التطرف والعنف وبناء علاقات طيبة مع جميع بلدان العالم".
 
حديث الإقليم
إلى ذلك، أصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أمس الأربعاء بياناً بمناسبة حلول الذكرى السنوية لقصف حلبجة بالسلاح الكيماوي.
وقال: "في الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين للهجوم الكيماوي الذي ارتكبه النظام البعثي ضد حلبجة، ننحني إجلالاً وإكباراً لشهداء هذه المجزرة الوحشية، مستحضرين في وجداننا ذكراهم الخالدة بإكرام وتقدير، لا يخفى على أحد بأن حلبجة تمثل مركزاً تنويرياً مهماً ومهداً لكوكبة من الشعراء والكتّاب والعلماء والحكماء وكل ما يُشار إليه بالبَنَان في كردستان، ومكانتها متجذرة وراسخة في أفئدة الكردستانيين وضمائرهم، وغدت واحدة من أبرز رموز شعب كردستان في التضحية والفداء من أجل نيل الحقوق".
وأضاف "وفي هذه الذكرى الأليمة، نجدد التأكيد أن على الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه أسر الشهداء والجرحى والمتضررين بفعل الهجوم الكيماوي على حلبجة، وسائر ضحايا الإبادة الجماعية والمناطق الكردستانية الأخرى المتضررة، وتعويضهم بموجب المادة 132 من الدستور، واحترام نضالات أهالي حلبجة وكفاحهم وتضحياتهم الجسام، ليتسنى تقديم كل ما يستحقه أبناء هذه المدينة العزيزة من خدمات تليق بهم وتخفف من معاناتهم القائمة".
وقال بارزاني: "رغم أن حكومة إقليم كردستان جعلت حلبجة محافظةً منذ سنوات عدة، إلا أن ما يُؤسف له أن الحكومة الاتحادية ما زالت لا تعامل حلبجة كمحافظة بالمستوى المطلوب، إذ لا تزال إجراءاتها اللازمة في تحويلها إلى محافظة تعترضها مشكلات وعقبات جمة".
ودعا "المسؤولين في الحكومة الاتحادية إلى حسم هذه الإجراءات في أسرع وقت ممكن، وأنْ لا يتم تجاهل هذه المسألة بعد الآن، فيما ستواصل حكومة إقليم كردستان استكمال الهيكل الإداري لمحافظة حلبجة، وذلك بإنشاء ما تبقى من دوائر ومؤسسات حكومية". كما طالب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الحكومة الاتحادية بإنجاز الخطوات كافة لتحويل حلبجة إلى المحافظة العراقية الـ19. جاء ذلك في بيان أصدره أستذكر فيه القصف الكيماوي لحلبجة على أيدي نظام صدام، وقال بارزاني: "في هذا اليوم السادس عشر من آذار، نستذكر بإجلال ذكرى أكثر من خمسة آلاف شهيد في حلبجة وننحني إكباراً وتقديراً لأرواحهم الطاهرة"، وأضاف "قبل 34 سنة من الآن، سقط هؤلاء ضحايا لواحدة من أكثر جرائم التاريخ بشاعة، راحوا ضحايا على يد النظام العراقي آنذاك الذي استخدم الأسلحة الكيماوية وأبادهم بطريقة وحشية، وأصيب آلاف آخرون بجراح وتشردوا وبات لكل واحد منهم قصة صادمة وموجعة". وأردف بالقول: إن "فاجعة القصف الكيماوي لحلبجة، ستظل إلى الأبد رمزاً لمظلومية شعب بات ضحية، جريمته الوحيدة هي أنه يعيش على أرضه وتحت سمائه، يريد الحياة والحرية والعدالة. شعب كان له دور جليل في تاريخ وحضارة المنطقة، ومد دائماً يد الصداقة والإنسانية والسلام والتعايش والتسامح للجميع".
كما أكد رئيس إقليم كردستان أن "القصف الكيماوي لحلبجة كان محاولة أخرى عقيمة من جانب مجرمي التاريخ، لكسر إرادة شعب كردستان الفولاذية في الحرية والشموخ، لكنه ظل كما هو دائماً صامداً، وحطمت إرادة شعب كردستان للحياة والانبعاث والاستمرار أحلام أولئك، ونهض ليناضل من أجل الحياة والحرية والعزة".
وطالب نيجيرفان بارزاني "الحكومة الاتحادية، كواجب والتزام قانوني عليها، بأن تعوض أسر وذوي الشهداء والضحايا الذين لا زالوا أحياء وبيئة حلبجة، وتكف عن إهمالهم، وأن تنجز كل خطوات تحويلها إلى محافظة، لتخفف بذلك قليلاً عن همومهم". كما طالب أيضاً "المجتمع الدولي والعالم المتقدم، بأن يواصلوا جهودهم لمنع تكرار فاجعة حلبجة في أي مكان آخر على الأرض، وأن يتم حظر استخدام وإنتاج أسلحة الدمار الشامل بصورة نهائية وقاطعة ومنع استخدامها بكل الطرق".
واختتم بارزاني بيانه بالقول: "نعود ونؤكد أن خير استذكار وتعبير عن الوفاء والتقدير لأرواح شهداء حلبجة وكل كردستان، هو أن توحد قوى وأطراف ومكونات كردستان كافة صفها وتتلاحم وتعمل معاً لتحقيق كامل الحقوق الدستورية لشعب كردستان ولحماية الفدرالية والكيان الدستوري لإقليم كردستان. وأن تتعظ الأطراف كلها من دروس التاريخ وتتخذها مرشداً لحاضر ومستقبل أفضل".
ونشر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، أمس الأربعاء، تغريدة في ذكرى مرور 34 عاما على القصف الكيماوي لحلبجة.
وقال في التغريدة: إن "ما بقي على قيد الحياة بعد القصف الكيماوي على حلبجة كان حماسة الكرد للحرية". وذكر أيضاً "في الذكرى الرابعة والثلاثين لهذه الجريمة التي لا توصف، نكرر رسميا أن إرادة شعبنا أقوى بكثير من الأسلحة الكيماوية والطائرات المقاتلة والصواريخ".
وكانت رئيسة كتلة الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب فيان صبري، دعت الحكومة العراقية إلى تفعيل الاعتراف بحلبجة كمحافظة عراقية كما اعترف بها إقليم كردستان.
 
المحافظة الـ19
بدوره، دعا رئيس الحكومة المحلية لحلبجة آزاد توفيق، حكومة إقليم كردستان إلى استئناف المباحثات مع الحكومة الاتحادية لإتمام ملف تحويل حلبجة إلى المحافظة الـ19 في البلاد.
وقال توفيق في كلمة له خلال حفل تأبيني لمرور 34 سنة على القصف الكيماوي لحلبجة: "ندعو حكومة الإقليم إلى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تخص تحويل حلبجة إلى محافظة". ودعا أيضاً حكومة الإقليم إلى "تفقد أحوال المصابين وذوي الضحايا والاطلاع على أحوالهم عن كثب وتعويضهم مادياً ومعنويا بقدر الإمكان". وقال توفيق: إن "العديد من الخريجين والأكاديميين لم يتم تعيينهم لغاية الآن ولم يتم توفير فرص عمل لهم"، مطالباً "بتثبيت الآلاف من موظفي العقود في المحافظة على الملاك الدائم". وطالب المحافظ رئيس الحكومة المحلية، حكومة الإقليم "بإرسال وفد رسمي للتباحث مع الدولة العراقية لإتمام ملف تحويل حلبجة إلى محافظة". من جانبه، قال نائب محافظ حلبجة، كاوه علي، في حديث لـ"الصباح": إن "مطالبنا هي مطالب ضحايا القصف الكيماوي ونطالب الحكومة الاتحادية بتكملة الإجراءات الرسمية والإدارية لاستحداث محافظة حلبجة", لافتاً إلى "وجود موافقة من مجلس الوزراء الاتحادي في 31122013 وفق القرار 568 وفق قانون استحداث محافظة حلبجة". مضيفاً "لدينا أيضاً موافقة مجلس النواب في 1632021 لتكملة الإجراءات الإدارية", مبيناً أن "وزارة التخطيط أكملت الإجراءات وأرسلتها إلى مجلس الوزراء الاتحادي، ونحن ننتظر تكلمة خريطة محافظة حلبجة والرمز الخاص بالمحافظة ويوافق عليه رئيس الوزراء في الحكومة الاتحادية, ويبقى مطلب آخر وهو تكملة الدوائر الاتحادية في محافظة حلبجة مثل مديرية الجوازات والجنسية وكل المديريات التابعة لبغداد".
وتابع: "كما نسعى إلى استحداث مديرية للتجارة ملحقة بوزارة التجارة الاتحادية وكذلك فتح منفذ (سازان) يتقرر بموافقة هيئة المنافذ الحدودية العراقية مرهون بموافقة رئيس الوزراء", كاشفا عن أن "وزارة الصحة الاتحادية أرسلت في وقت سابق كمية جيدة من الأدوية للمصابين بالكيماوي ممن يعانون من أمراض الاختناق المزمن والربو والسرطان".
 
شهود عيان
عضو الاتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور، وهو من ضحايا القصف الكيماوي، أشار في حديث لـ"الصباح"، إلى أن "هناك مطالب جمّة لأهالي حلبجة، وخاصة أسر مصابي القصف، بمعالجتهم أو إرسالهم الى دول تكون فيها العلاجات أكثر تطوراً، لكن إلى هذه اللحظة لم ترسل إلا مجموعات قليلة وصغيرة، فيما هناك مستشفى متواضع في حلبجة لمعالجة المصابين لكنه دون المستوى المطلوب". 
وقال أنور: "عقدنا اجتماعا مع أهالي مدينة حلبجة وقدموا لنا شكاوى تتعلق بحالاتهم الصحية والاقتصادية أيضاً، ومنهم من يمتنع حتى في المشاركة في ذكرى إحياء فاجعة حلبجة لأنهم  يعتبرون أنفسهم مهملين من الناحية الطبية والمعيشية والتعويضية ويصرفون من جيوبهم للعلاج". وما زال الآلاف من ضحايا القصف البعثي المجرم يعانون الأمراض ويشكون الإهمال الحكومي من قبل الإقليم والمركز، كما أن الخراب والأبنية المتهالكة تبقى شاهداً على ذلك الإهمال، وتروي آورينك عثمان، وهي أم لطفل كانت تعالجه في السليمانية صبيحة قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية وكان زوجها في البيت يرعى مصالحه في الحقل، أن أبيها أخبرها، بأن "المدينة قصفت بالأسلحة المميتة, ومنعها من العودة إلى حلبجة حينما همت بالعودة برغم صعوبة الأجواء المخنوقة بغازات الخردل والسيانيد وهروب من كتبت لهم النجاة بشتى الوسائل وصعود الجبال المحيطة بحلبجة ودخول بعضهم في المغارات". روت آورينك "أنها لن تكون بخير ما لم تلتحق بزوجها في الجنة"، وأضافت "زوجي مظلوم كما بقية الشهداء، نحن مسالمون ونعيش بسلام فوق تلك السهول إلى أن غارت علينا غربان الشر, أنا لا أملك قوت يومي ونحن بلد يطفو على بحر من الثروات".
وتعرف حلبجة بالمأساة التي حدثت فيها عام 1988، عندما أطلق نظام صدام المقبور أثناء الحرب العراقية الإيرانية هجوماً كيمياوياً على سكان المدينة، أدى إلى سقوط أكثر من خمسة آلاف شهيد وإصابة آلاف آخرين. وقررت حكومة إقليم كردستان في حزيران 2013 إنشاء محافظة حلبجة مقرها مدينة حلبجة وتلحق بها أقضية: حلبجة وشهرزور وبينجوين وسيد صادق، وهي أقضية كانت مرتبطة إدارياً بمحافظة السليمانية، ولكن لغاية الآن لم تكمل الحكومة الاتحادية تحويلها إلى محافظة.