وثيقة مسرّبة

العراق 2022/03/19
...

أحمد عبد الحسين
قال الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مازحاً في اجتماع: "هل تعلمون ما هو الإبريق الذي يسرّب الماء من أعلاه لا من أسفله"؟ ولمّا لم يجد جواباً لغرابة السؤال وغموضه، أجاب: "هذا الإبريق هو أميركا يا أعزائي". ثم شرح لهم كيف أنَّ وثائق أميركا السريّة تتسرّب بكثرة إلى الإعلام، لكنها تخرج من أعلى، من فوق، من مسؤولين في أعلى المراتب.
تذكرتُ مزحة كارتر اليوم وأنا أقرأ برقيّة "يفترض أنها سرّيّة" تكشف عن نيّة فصائل مسلحة ضرب مطار بغداد والمنطقة الخضراء بالصواريخ. البرقية الصادرة عن قيادة عمليات بغدادـ خلية الاستخبارات ـ نشرتها وكالة محليّة للأنباء، وفيها تحذير من أنَّ الضربة وشيكة جداً "ربما خلال ساعات".
ما الذي سيفيده المواطن العراقيّ من نشر وثيقة كهذه؟ ما الأثر الذي سيترتب على نشر الذعر بهذه الطريقة؟ لا أظنّ أنَّ نشرها سيسهم في جعل تلك المجاميع الإرهابية تحجم عن تنفيذ مخططها، ولا أظنّ أنَّ جوّاً من الاطمئنان سيسود إذا أدرك المواطن أنَّ الأجهزة الاستخباراتية تعرف نوايا الإرهابيين.
نشر وثائق كهذه لا يكشف عن أنَّ الجهاز الأمني يخترق صفوف الخارجين عن القانون، بل العكس تماماً، هو كاشف عن خرق في صفوف أجهزتنا، قد يكون مصدره شخصاً واحداً غير منضبط أو آخر فاسداً، لكنه في كلّ الأحوال يسيء لخطط الأمنيين ويخدم الإرهابيين ويصيب المواطنين بالذعر.
يتكرر الأمر كثيراً، والتسريب مستمرّ كما لو أنَّ من يكشف هذه الوثائق يقوم بعمل بطوليّ غير ناظر إلى آثاره التي قد تكون كارثية.
لا لوم على وسائل الإعلام إن وقع بين يديها "صيد" خبري كهذا. اللوم على من جعل أشدّ المعلومات سريّة متاحاً للجميع.
هذه ليست مزحة، ولا شيء في الأمر يدعو للضحك، لكنّ إبريقنا نحن أيضاً يسرّب من فوق، من أعلى لا من أسفل.