حين تغدو الحقيقة أرقاماً

العراق 2022/03/23
...

أحمد عبد الحسين
يحضر المقدّس في أدبيات الأحزاب الإسلامية بتلقائية. بديهيّ أن لفظ "إسلاميّ" يجيء ومعه هذه الحمولة القدسيّة التي غطّتْ ردحاً طويلاً من الزمن على الحمولة الدنيوية، بل المغرقة في دنيويتها التي يحملها لفظ "حزب"، لأنه لفظ يتوجه بكليّته إلى أرض العمل السياسيّ ، وهي أرض لا تصلح لزراعة شجر مقدّس.
كان لفظ "الحزب" أو "المجلس" أو "التيار" أو "الحركة" أو "المنظمة" وسائر الألفاظ الدالة على الدنيويّ، تبدو هامشية ضعيفة لا تكاد تلحظ حتى حين تلفظ، قبالة اسم "الإسلاميّ" الفخم المحفوف بهالة من النورانية، وكان الناس المنضوون في هذا الحزب إنما يتوجهون أولاً إلى الإسلام الذي في الحزب لا إلى الحزب نفسه، بحيث أنّ كثيراً منهم لم يعودوا يرون الدين إلا من نافذة الحزب أو التيار أو الحركة. جوهرها عقائديّ إذن. وحتى حين كانت الأحزاب تحتربُ في ما بينها على سقط متاع الدنيا الفانية من مناصب وأموالٍ وعقودٍ فاسدةٍ فإنّ غلافاً من النور "الشعشعانيّ" كان يحيط بمعارك دنيئة كهذه.
مع كلّ دورة انتخابية تجلس هذه الأحزاب وتتحدّث ـ على غير العادة ـ بالأرقام، لأنّ لسان العقائد لا يكفي وحده لإنشاء خطاب يتعلّق بتقاسم الحصص، وينبغي في آخر الأمر أن نعطي ما لقيصر لقيصر بعد أن أعطينا مالله لله.
اليوم تنشغل جميع الأحزاب بالأرقام.
الرقم 219 يكفي لتمرير رئيس الجمهورية الذي سيكلّف بدوره رئيس وزراء وتنحلّ عقدة كبرى. الرقم 110  يكفي لتشكيل ثلث معطِّل في بلدنا المعطَّل، والرقم 166 يكفي لحلّ المجلس. 
وهكذا تنسحبُ الأدبيات العقائدية مؤقتاً لتخلي الساحة للحساب الدقيق، بانتظار أنْ تنجلي غبرة المعركة الرقمية عن حكومة يعرف كل حزبٍ مقدار ما له فيها.
جوهر هذه التنظيمات انحلّ هذه الأيام إلى أرقام وكسور هي التي ستحدّد مصيرها ومصيرنا ومصير بلدٍ ينشغل مواطنوه بعقائدهم بكلّ صدقٍ بينما ينشغل ساسته بالأرقام.