تشوّه الذائقة

العراق 2022/03/26
...

د. علاء هادي الحطاب
تكشف ذائقة الجماعات تجاه الأشياء عن طبيعة اهتماماتهم ومستوى إحاطتهم بطبيعة ما يرغبون ويؤيدون، إن كان التأييد عن قناعة بعد فحص وتمحيص، أو من خلال عقل جمعي يقوده رأي عام أو محركات داخلية وخارجية تشتغل على ذلك، لذلك ترى أن الذائقة تختلف تبعاً لمستويات الثقافة والتعليم والبيئة والمؤثرات التي تحيط بالفرد.
كل عام مع نهاية السنة الدراسية واحتفال طلبة الجامعات بتخرّجهم، بتنا نلاحظ مشاهد لم نكن نشاهدها من قبل، بل لم نكن نتوقعها أن تصدر من جماعة أكملت دراسة جامعية أكاديمية لمدة أربع سنوات من أجل خدمة المجتمع وتقدّم حياة الناس، لكننا مع الأسف في السنوات الأخيرة شاهدنا الطالب المتخرّج الذي تحوّل إلى “خروف” والطالبة إلى “دجاجة” بواسطة أزياء تنكّرية غريبة على ذائقة المجتمع، بل غير متوقعة الصدور من جماعة كهذه في بلد كهذا، في تشوه مقصود وغير مقصود للذائقة الشبابية في تعاطيها مع أفراحها، وكذلك مع أحزانها إبّان مشاهد التطيين وربط الفرد نفسه بقيود وما شاكل.
أتفهم أن الإقرار بتشوّه الذائقة نسبي يختلف من شخص إلى آخر، فما أراه مشوّهاً يراه غيري تطوراً والعكس صحيح، لكن يبقى معيار التقبل الاجتماعي العام معياراً جيداً لقياس التشوّه والتشويه من عدمه، فلم أجد مِمّن يمكن وصفهم بأنهم مواطنون فاعلون في المجتمع، قد تقبّلوا تصرفات التشوّه في ذائقة الغناء والشعر والتمثيل، وأغلب أشكال الفنون والطقوس والشعائر والممارسات الاجتماعية، فضلا على النخبة المثقفة والأكاديمية، كما أتفهّم أن تشوّه الذائقة لم يعد محصوراً في العراق، بل هو تشوّه في العالم أجمع، لكن في أغلب دول العالم هناك متابعة وقوانين معالجة للحد من توسّع انتشار التشوّه وتحوّله إلى ظاهرة مجتمعية لا يمكن 
تجاوزها.
اليوم مسؤوليتنا جميعاً مواجهة هذا التشوّه من خلال جميع السبل الفكرية والثقافية التي نمتلكها، فلا يمكن معالجة ذلك التشوّه في ذائقة بعض شبابنا بالقوة، بل يمكن مواجهة ذلك بالفن والثقافة بكل
تفصيلاتها.