أحمد عبد الحسين
تغريدة مقتدى الصدر التي ابتدأها بـ”لن أتوافق معكم” إعلان عن وصول المفاوضات بين التيار والتنسيقيّ إلى خاتمة مطاف. يعرف فرسانُ التنسيقيّ أن التخلّي عن “التوافق” سيشكّل ضربة كبرى لن ينجو منها أحد، وجرّبوا مع الصدر وحلفائه كلّ شيء تقريباً، وفي طليعة ما جرّبوا استدعاء قوّة الجوار العراقيّ القويّ ليمارس ضغوطه، وكان لافتاً تصريح أحد قيادييهم أمسِ أن “تأثير دول الجوار اليوم في أضعف حالاته”. وبطبيعة الحال حين يطلق لفظ “دول الجوار” فإن أول ما يتبادر إلى الذهن “إيران” لا غيرها، تماماً كما أن المحاصصة هي أول ما يتبادر إلى الذهن حين سماع كلمة “توافق”.
اقتنع التنسيقيّ أخيراً، أمام تصلّب موقف الصدر، بأن يتحوّل إلى ثلث معطّل، بعد أن كان ثلثاً مفاوضاً. الحوار ضروريّ لكنّ الواقع يقول إن موانع الحوار أكبر من ضرورته، فالمحاورون لا يملكون خيارات كثيرة يناورون بها بعد أن انحصرت المسألة برمتها بين خيارين لا ثالث لهما: أغلبية أو محاصصاتية.
في الأغلبية سيجد الإطار الشيعيّ نفسه ولأول مرة أمام كتلة أكبر مشكّلة للحكومة ليست شيعية، وهذا خرق للعرف “المكوّناتي” الذي بدا في فترة ما كأمر مسلّم به، وستفتح ملفّات أمنية ومالية وسياسية ما كان أحد ليفكر بها في ظلّ المسيرة السياسية المحاصصاتية التي ظلتْ قائمة منذ تغيير 2003، وستعني ـ لأول مرة أيضاً ـ أن هناك استحقاقات فعلية تفرضها نتائج صناديق الانتخاب، لأنّ كل الحكومات السابقة التي تشكّلتْ بالتوافق المحاصصاتي جعلت من الانتخابات “عرساً ديموقراطياً” وغالباً لم يكن يمكن التمييز بين العريس والعروس.
أما خيار التوافقية فمعلومة نتائجه لأننا جميعاً شهودٌ على الخراب الذي نحن فيه.
تغريدة الصدر حاسمة، وكلمة “لن” ليست للشروع في الافتراق، بل كاشفة عنه، إذ الافتراق بين الطرفين حاصل حتى قبل الانتخابات ونتائجها. يمكننا أن نعدّ تاريخ 2016 وما تلاه بداية حقيقية لوصولهما إلى مفترق طرقٍ باتت ملامحه اليوم أوضح.
المحاورة بين متضادين، كالأبيض والأسود مثلاً، صعبة إذا أراد كلّ منهما الاحتفاظ بطبيعته الأصليّة. أما امتزاجهما معاً فينتج الرماديّ، وهو اللون الذي يشبه حياتنا خلال عشرين سنة مضتْ.. تماماً.