للتشجيع آثارهُ الايجابية

اسرة ومجتمع 2019/03/17
...

حسين الصدر 
- 1 -
لا أحد يستطيع ان ينكر الآثار الايجابية الكبرى للتشجيع،بالكلمة، وبالهدية، وبالهتاف...، لتشجيع فريق رياضي مُعيّن ، وبالوسام، وباقامة الاحتفالات، وبسائر الوسائل
الاخرى ...
 
- 2 -
ان الموهوبين هم أولى الناس بان يكونوا مصبّاً للتشجيع ، سواء كانوا مبدعين في ميدان الأدب، أو ميدان الاختراعات والاكتشافات، او في أيِّ ميدان آخر .
 
- 3 -
غاية الامر انّ تشجيع الاطفال خاصة، يتميّز بزخمِهِ الهائل لدفع الطفل نحو الابداع، ومواصلة مشاويره الحافلة 
بالعطاء.
قرأت ما ذكره الاستاذ حسين الذكر في كتابه “تراتيل على هامش الذاكرة” عن “ اديسون” يوم سلّم أمّه رسالة بعثتها لها المدرسة ، قال:” امتلأت عينا الأم بالدموع أثناء القراءة ثم قالت بصوتٍ عال لطفلها:
“ طفلك عبقري وهذه المدرسة لا تستوعب هذا الذكاء حيث اننا ليس لدينا معلمون أكفاء لتعليمه .
يُرجى تعليمه بنفسك “
وبعد ان أصبح (اديسون) واحداً من أعظم المخترعين ، وبعد وفاة والدته .. وجد الورقة التي أرسلتها المدرسة ( لأمُّهِ) وكان فيها :
“ابنك ضعيف الفهم ،ولن نسمح له بان يكمل دراسته ، انه مطرود من المدرسة “
فكتب اديسون في مذكراته :
كان اديسون ضعيف الفهم ، ولكنّ أمّه حوّلتْهُ الى عبقري القرن “
تراتيل على هامش الذاكرة ص 12 - 13
ولا أدري لماذا يبخل الآباء أو القائمون على تربية الأطفال في كثير من الأحيان حتى بكلمة بسيطة، يُطلقونها للتعبير عن اعجابهم وتقديرهم لما رأوه من هذا الطفل الموهوب أو ذاك ..؟
ولا أنسى اني كنت طالباً في الصف السادس الابتدائي ، وكان المرحوم الشيخ يوسف كركوش الحلي معلمنا في درس اللغة العربية ، والرجل يُعدُّ من المؤلفين والباحثين فقد أصدر كتابه “تاريخ الحلة” منذ زمن بعيد، وذات يوم زارنا (أحدُهم) واستمع الى حوارٍ بيني وبين معلمي تناول إعراب جملة معينة، وبعدها بادر الشيخ الى تقديم كتاب لي اسمه (شهر في اوروبا) هدية منه لي مع عبارة (لتقدّمه في اللغة العربية) وكان لهذه الهدية صداها النفسي الكبير..
وقد قرأت مؤخراً ما كتبه الاديب الباحث الاستاذ السيد سلمان طعمة في كتابه الموسوم بـ ( محاسن المجالس في كربلاء) حيث جاء فيه - وهو يتحدث عن مجلس سادن الروضة الحسينية المرحوم السيد عبد الصالح آل طعمة:-
“ كنت قد اصطحبت الى هذا المجلس ولدي الصغير السيد احمد، وكان عمره آنذاك ثماني سنوات وكان المجلس عامراً بالفضلاء والأدباء، يتباحثون في شؤون الشعر والشعراء ، فسأل السيد عبد الصالح الكليدار ولدي احمد: هل تحفظ شعراً 
حسينياً ؟
 
فأجاب: نعم 
وأنشد قصيدة دعبل بن علي الخزاعي التي مطلعها :
مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ 
ومنزل وحيٍ مقفر العرصاتِ 
فقرأ منها 25 بيتاً ، ثم أضاف بانشاد ما يقرب من عشرة أبيات، من قصيدة السيد رضا الهندي، التي أنشدها في مدح الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) التي مطلعها :
 
أمفلّجُ ثغرِك أم جوهرْ
 
ورحيقُ رضابِكَ أَمْ سكّرْ
 
فمنحه السيد عبد الصالح مبلغاً قدره خمسة دنانير عراقية ، وهو مبلغ غير قليل لعامة الناس آنذاك ، 
وهذا التقدير شجعه على ارتياد المجالس وحفظ الأشعار (محاسن المجالس في كربلاء/ ص 293 - 294)
 
أقول : حسناً فعل السيد الكليدار رحمه الله حين منح السيد أحمد طعمة  جائزة مالية تقديرية شجعته على مواصلة حفظ الأشعار في أهل البيت عليهم السلام وزرعت في نفسه حب الأدب والمجالس الثقافية .
وهكذا تحلو المبادرة من كلّ القادرين، على منح تلك الجوائز،سواء كانت مادية أو معنوية .
 
- 4 -
ولقد شاعت في الفترة الأخيرة ظاهرة استقبال الشعراء بالصمت الرهيب وهم يُلقون قصائدهم فلا استحسان ولا اعادة، وهذا ما يفتُّ في عضد الشاعر ، ويملأ نفسه ألماً.
أكثيرٌ على الشاعر المُبدع الذي يتحفك بقصيدة عصماء أنْ تقول له أحسنت ؟!
انه ضرب من الجفاف الذي لا يرضاه الانصاف .
ثم ان العادة جرّت أن يُؤجل التكريم للنوابغ والمبدعين ، الى حين رحيلهم من هذه الدنيا ، وكأنّ من المحرّم عليهم أنْ يسمعوا بآذانهم ويروا بأعينهم من يُشيد بعطاءاتهم
الابداعية !!
وقد اشترك كاتب السطور في تكريم الشاعر الكبير العلامة السيد مصطفى جمال الدين، في حفل كبير أقيم في لندن قبيل وفاته، وملأ نفسه نشوة بما سمعه ورآه من أصدقائه ومحبيه وعارفي فضله 
ومثل هذا التكريم هو الصحيح السليم .. وبهذا كسرنا الطوق التقليدي المعهود...