على باب شهر الله

الصفحة الاخيرة 2022/04/02
...

جواد علي كسار
بين الأعراف والعبادات علاقة عكسية، فكلما قوت الأعراف ضعفت العبادات، بل تبلغ قوة الأعراف في زحفها على العبادات؛ أن تُبطل فلسفتها وتعطّل الأهداف المرجوة منها، كما هو الحال مع فريضة الصيام، وهذه هي الأمثلة!.
الصوم فقهياً هو الامتناع عن المفطرات، وفي الطليعة الأطعمة والأشربة، وصاحب «جوامع الكلم» نبينا محمد صلى الله عليه وآله، يوضح في نص يعكس خريطة هذه العبادة والفلسفة المتوخاة منها، بعض غايات هذا الامتناع، بقوله: “اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه”.
بيدَ أن ما يحصل في أمة النبي وتؤكده الأرقام القطعية، أن معدلات استهلاك الأطعمة والأشربة، تتضاعف ثلاث مرات على الأقل في شهر رمضان، بجميع بلدان العالم الإسلامي ومناطق تواجد المسلمين في بلدان العالم، في نقض صريح مباشر لفلسفة الصوم، وكأن ما يحصل هو تدوير فقط لمواعيد وجبات الطعام بل وزيادتها، ومضاعفة الأطعمة والأشربة على نحوٍ لا يبقي معنىً للصوم!.
لأيام شهر رمضان ولياليه قيمة مضاعفة في العمل: «شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام»، بيدَ أن واقعنا في أغلب ظواهره، يسجّل ضمور الفاعلية وقلة العمل، والميل إلى النوم والكسل، بينما نجد تاريخ شهر رمضان في حياة المسلمين إبان القرون الأوائل، ارتبط بالمثابرة والجهد والعطاء والعمل، وبحوادث كبرى من بدر إلى حطين، إلى حرب شهر رمضان عام 1393هـ التي شنت فيها القوات المصرية والسورية، هجومها من سيناء والجولان ضد إسرائيل.
المثال الأخير نأخذه هذه المرة من ثقافة الوقت والتسلية في شهر رمضان، صحيح أن النفوس تملّ وتحتاج إلى شيء من الترفيه السليم البريء، لكن بقدر حاجة الطعام إلى الملح، لا أن يبتلع الترفيه وقت الصائم كله، وينحدر في نوعيته إلى مستويات رديئة بل وهابطة!
لستُ أدري من المسؤول عن هذه «الفلسفة» التي تجتهد في ملء أوقات الصائمين بفنون البرامج والمسابقات والمقالب، التي يتسم شيء غير قليل منها بالسطحية والتفاهة، في سباق بين الفضائيات وبقية وسائل التواصل والإعلام، على هدر وقت الصائم واغتيال صومه!.
ترى ماذا يبقى من روحية الصوم ومعنويته، وهو محاصر بين ثقافة الطعام والكسل وإتلاف الوقت وهدره، وهل تُبقي هذه الممارسات وغيرها، على شيء من مقاصده؟!