أحمد عبد الحسين
حتى أول أمس، كانت مهمة الإطار التنسيقيّ، بعكس مهمة التحالف الثلاثيّ، سهلة يسيرة، لأنها كانت تتمثل فقط وفقط في عرقلة وتعطيل أيّ مقترح لا يكونون هم طرفاً فيه. كان يكفي عدم حضورهم جلسات المجلس لترى أثرهم واضحاً، وكم هي سهلة مهمة ذلك الذي تكون كلّ فاعليته في محض غيابه.
حالة من "الترف" عاشها "التنسيقيّ" وجعلته مؤثراً دون بذل مزيد من الجهد، وجَعَلتْ جهازه الإعلاميّ كثير الاحتفال والتغنّي بما أسموه انتصارَيْ السبت والأربعاء حين استطاع الثلث المعطّل أن يعطّل جلستين أريد لهما أن تكونا حاسمتين. لكنْ من كان يتأمّل الموقف جيداً عرف أنَّ ذلك الترف يخفي حرجاً شديداً، من أبرز مظاهره أنَّ التنسيقي لو قُيّض له أخذ زمام المبادرة وترك وظيفته التعطيلية فستكون بانتظاره ذات العراقيل والفخاخ التي كان ينصبها لغرمائه، لكنها أشدّ خطراً لأنها ستأتي هذه المرة من كتلة أكبر. ولأنَّ التصريحات النارية ضدّ أحزاب "الثلاثي" ووصمهم بأقذع النعوت والاتهامات كانت أشبه بحرق المراكب استعداداً لحرب المصير.
مشكلة التنسيقيّ أنه قلّص كل خياراته في خيار أوحد لا ثاني له وهو اعتماد المكوّنات لرسم الخارطة السياسية. ولذا فهو بحاجة إلى الدخول بمكوّنه "الشيعي" الذي يجب أن يدخله الصدريون ليصبح فاعلاً. وحين أعلن الصدر "لن أتوافق معكم" أسقط في يد التنسيقيّ ولم يبق له إلا أن يكون معطّلاً فعلاً.
لكن الضربة الحقيقية جاءت أمس، حين ترك الصدر لهم مهمة تشكيل الحكومة: اذهبوا ارسموها مكوّناتياً، طائفياً وعرقياً كما تشتهون لكنْ من دوني.
اعتقادي أنَّ الترسيمة المحاصصاتية التي حكمت العراق طيلة عشرين سنة، تتصدّع اليوم ويبدو أنَّ ممثلي الطوائف والأعراق أمام حقيقة أنهم أضعف مما يبدون عليه في الواقع، وأن حيازة المال الوفير والسلاح ومواقف الإقليم الساندة لا تغني عن الشرعية الحقيقية التي هي صوت الناس سواء أتى هذا الصوت من صناديق الاقتراع أو من الساحات.
هذه ليست محنة التنسيقيّ أو الثلاثيّ، إنها محنة المحاصصة والتوافقيّة التي هي السمّ الذي يتجرعه العراق طيلة عقدين.