الحرب وخيارات الحوار

العراق 2022/04/03
...

علي حسن الفواز
كُلّ حربٍ تنتهي بالتفاوض، والجلوس إلى طاولة الحوار، إذ لم يعد الرهان على الانتصار الكامل مقبولا، ولا حتى على الهزيمة الكاملة، ليس لأن العالم تجاوز مفهوم الحرب التقليدية، ودخل في تعقيدات الحروب السبرانية والمعلوماتية والبالستية، بل لأن تلك الحروب لم تخرج عن لعبة الهيمنة، ولا عن الصناعات المعقدة التي تُدخلها الدول الكبرى في سياساتها الستراتيجية، وفي قراءة مدى تأثيرها في أسواق الطاقة والسلاح والغذاء، وفي الطابع الجيوسياسي للعلاقات الدولية.
الحرب اليمنية أضحت قاب قوسين من "السلام" والمتحاربون أدركوا الحاجة إلى الحوار، بعيدا عن رهانات الانتصار والهزيمة، فما تمخض من اجتماعات الرياض كشف تحوّلا كبيرا، انعكست معطياته على الأرض، وعبر إجراءات يمكنها أن تعزز السلم الأهلي في الواقع، وفي لغة الأطراف المتحاربة، بما فيها سياسات الدول الكبرى والإقليمية، والإجراءات التي تم تفعيلها  لممثل الأمين العام للأمم المتحدة.
إعلان الهدنة، وتخفيف الحصار، قد يكونا أهم المخرجات، وعلى نحوٍ يدعو إلى تهيئة الأجواء للحوار والتفاوض لإنهاء ثماني سنوات عجاف من الحرب، إذ بات واضحا للجميع أن تلك الحروب لا تتحمل فرضيات الانتصار والهزيمة الكاملين، وأنّ تغليب العقلنة السياسية سيكون هو الأجدى، والأنفع، والضروري في إخماد الحرائق التي صار حطبها الناس والمدن والسلام. كما أن ما يجري في حرب أوكرانيا قد يكون حافزا لإعادة النظر في "الحروب الصغيرة" والبحث عن خيارات أخرى، إذ وضعت هذه الحرب العالم أمام "خوف" كوني، من الرعب النووي، ومن رعب المجاعة، ورعب الركود الاقتصادي، وتهديد النظام الدولي صناعيا وزراعيا وسياسيا، وباتجاه يدعو الدول الكبرى إلى مراجعة سياساتها "العميقة" المسؤولة عن تسويق مفاهيم الحرب والهيمنة، لاسيما حروب الشرق الأوسط، وما يرافقها من أزمات أنهكت كثيرا من الدول، كما في سوريا وفي لبنان وفي ليبيا، وحتى ما يحدث في وسط وغرب القارة الافريقية المُهدَدة من الجماعات الإرهابية.
عنف الرأسمالية، وتغوّل سياساتها هو الخزّان الداعم لتلك الحروب، وأن فشلها يتطلب مراجعة حقيقية، ونقدا مفهوميا لصناعتها وتسويقها، مقابل العودة لخيارات إنسانية، يمكنها أن تُسهم في تغذية عناصر السلم الأهلي، ومساعدة الدول على تجاوز مشكلاتها في التنمية وفي الديمقراطية وفي الاستقلال والتطلع للمستقبل.