عبد الهادي مهودر
لا اختلاف على (التربية) كأساس للفرد والمجتمع وللنهضة الشاملة التي تحلم بها الشعوب والدول، وهذا التنظير يناطح الواقع فيطيح به في ميدان الصراع بين النظرية والتطبيق وبين الأمنيات وإدراكها، فقد تكون الشعوب غير محظوظة بعقول راجحة تعرف قيمة التربية وتعطيها الأولوية، وفي تاريخ الشعوب قادة رفعوا شأن الأمة بالتربية والتعليم فحققوا نهضة يشار لها بالبنان، وقد كنت بصدد الكتابة عن شرطة حماية المدارس التي أصبحت بحاجة إلى شرطة قبل أن يقع بين يدي كتاب (توقف الزمن التربوي) للدكتور مزهر الساعدي، فقد هاجم مواطن غير صالح مدرسة ابتدائية وانتشر الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، وفتحت وزارة التربية تحقيقاً بالحادث، وفتح التحقيق يعني إسدال الستار على القصص الحزينة، فمشهد الاعتداء على المدارس وكذلك المستشفيات متواصل بنجاح ساحق، وستفتح الوزارات المزيد من التحقيقات دون حلول نهائية، وليس اتهاماً ولا تشكيكاً بقرارات تشكيل اللجان التحقيقية، بل لأن بيئتنا أصبحت منتجة لمثل هذه الظواهر الاجتماعية وأمست الاعتداءات والمشاجرات حالة طبيعية، أو جزءاً من الفولكلور الشعبي بوصف صديقنا الإعلامي احمد الهاشم، وطالما لفت انتباهي ذلك الفتى الشرطي الجالس عند باب المدرسة فلا فرق بين وجوده وعدمه، فإن أدى واجبه سيطوله العرف الاجتماعي والفصل العشائري، وإن تغافل عن أداء الواجب عوقب بالإهمال والتقصير، ولذلك يقضي وقته في سقي حديقة المدرسة والرد على تحيات المارين بأحسن منها، بينما تستمر الاعتداءات بسبب شيوع هذا الصنف من الأفراد الذين لا يعتبرون المدرسة مكاناً مقدساً مثل المساجد التي يعبد فيها الله، ولو كان هناك عمل يستحق التجريم فهو الاعتداء على المدارس، لكن المراكز التربوية والتعليمية والصحية التي لا يحميها أفراد المجتمع من تلقاء أنفسهم لا تحميها شرطة حماية المنشآت، ومدارسنا اليوم مثل مستشفياتنا زمانها متوقف على وجود مدير غيور يحارب بسيفين ويطعن برمحين ويتلقى الطعنات ويقاتل حتى النصر أو الانسحاب تحت الضغط والترهيب والابتزاز، وحتى مع وجود القانون لا ينفع الردع ما لم تكن التربية الذاتية موجهة للسلوك العام، والتربية ليست مسؤولية وزارة بعينها بل هي نتاج عمل متكامل وخلاصة توجهات الدولة وبرامجها الكاشفة عن مستوى الاهتمام وتقدير الأهمية، فكل نواحي الحياة اليوم بحاجة إلى نهضة تربوية شاملة، ويجب الالتفات إلى الواقع التربوي والقيمي والسلوكي العام المتراجع وإلى إدراك العلاقة بين التربية والنهضة، وحتى لا ينصرف ذهن القارئ الكريم إلى أننا نتحدث عن مشروع تطوير (گراج النهضة).