بغداد: نوارة محمد
ككل عام تعلق الفوانيس، ويرتفع ضجيج الأزقة، وتزدحم المقاهي الشعبية وتضيق بالأطفال ساحات المباني، ففي أيام كهذه نحن على موعد مع عادات وتقاليد بعضها لا يزال مستمراً والبعض الآخر يكاد أن يختفي شيئاً فشيئاً، لا سيما في الألفية الأخيرة.
«و تعد قضية أثر العولمة في تذويب الثقافات والموروثات الثقافية للمجتمعات التي تتعرض لهجمات عولمية تكنولوجية عالية، فتؤدي إلى اختفاء الكثير من الموروثات الثقافية وبعض الطقوس والشعائر وإحلال بدائل ثقافية من الثقافة العولمية المؤثرة، من أهم القضايا التي يناقشها المختصون بعلم الاجتماع والانثروبولوجيا، بحسب المختص في علم الاجتماع الدكتور خالد حنتوش.
ويضيف: فعلى سبيل المثال عادات وطقوس وتراث شهر رمضان في بغداد وفي كثير من المدن العربية والإسلامية، نلاحظ أن كثيراً من موروثاته بدأت تختفي بسبب التكنولوجيا واحلال وسائل أكثر حداثة في شعائره وطقوسه التي توارثتها المجتمعات الإسلامية والعربية، فقد اختفى المسحراتي (أبو الطبل) وغيره من الشخصيات التي كانت تقوم بأدوار مهمة في رمضان.
وترتبط تلك العادات ببساطة الحياة، إذ اختفت أجزاء كبيرة منها وبقيت أخرى تُصارع الاندثار ومن بينها المسحراتي، فهل يؤدي المسحراتي دوره كسابق الأيام أم أصبح جزءاً من موروث شعبي يقاوم الاندثار؟ .
يرى الباحث والأكاديمي شاكر عبد العظيم جعفر أن الحياة بدت أسرع مما كانت عليه، فالتكنولوجيا تمارس دورها في أن تُلغي معظم العادات التي ارتبطت بجزء كبير بتلك الموروثات.
ويقول جعفر إن “الارتباط الإنساني لم يعد بتلك الحميمية التي اعتدنا عليها، وتبادل الأكلات أنموذجا، والزيارات بدت أقل ما كانت عليه، لا سيما بعد أزمة كورونا، وما واجهناه من فجوة وابتعاد”.
لكن هذه الأمور بنظر جعفر تظل نسبية، إذ يلعب الاختلاف المناطقي والتفاوت الاجتماعي دوره في بقاء هذه العادات او اندثارها.
لقد صنعت التكنولوجيا جيلاً جديداً، مختلف المفاهيم، وجدنا أنفسنا أمام موجة تغييرات فكرية وأساليب حياة تصارع عادات أزلية لم تكن قابلة للتبديل، لا سيما بعد أن بدأ الأطفال يهجرون الألعاب الجسدية وتسيطر على العقول شاشات الهواتف الذكية، العوالم الافتراضية مارست دورها في إلغاء بعض الموروثات، وفقاً لتعبيره.
كان عمار خضير،35 عاماً، شاهداً على تلك العادات التي تصارع الاندثار، كما يقول إن “التكنولوجيا دائماً تفوز على كل ما ينافسها في ميادين الحياة ومضامينها بل وصلت إلى مرحلة تغيير العقائد والقناعات، وأصبحت الفاعل الأبرز على مستوى الفعاليات الاجتماعية، بما في ذلك أشكال الفولكلور الرمضاني”.
إذ بدأت أشكال الفولكلور الرمضاني بالانسحاب أمام التطور التكنولوجي، فقد تحولت المجالس والأحاديث وبجزء كبير منها إلى مجموعات تطبيق (الواتساب) وغيره من التطبيقات، الأمر الذي قلص الاجراءات الفولكلورية الرمضانية مثل اللقاءات وتبادل الزيارات.
ولكن تبقى المناطق العراقية تحتفظ بجزئيات الفولكلور الأساسية رغم النمو المعلوماتي السريع مثل لعبة المحيبس والتجمعات بعد الإفطار والمجالس والمسحرچي والگريگيعان وغيرها.