علي حمود الحسن
السينما في أكثر تعريفاتها قدماً هي "تجسيد الواقع الذي هو الحياة"، بمفهومية المنظر الفرنسي اندريه بازان، فليس غريباً تناولها مفردات هذا الواقع من طقوس وعادات وتقاليد تخص الشعوب، ليس كثيمة ارتكاز، إنما نسق اجتماعي وثقافي وسياسي لشخصيات الفيلم وزمنها السردي الذي تتحرك فيه، ولأننا نعيش هذه الأيام أجواء رمضان وطقوسه بدءاً من العبادات وانتهاءً بما يضفيه هذا الشهر الفضيل من أجواء بهيجة، فالسينما تناولت رمضان، ليس باعتباره شهراً مقدساً نزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر التي تعادل ألف شهر، إنما كجزء من يوميات المواطن العربي المسلم، وقد رصد نقاد وصحفيون متخصصون أفلاماً وثقت لجانب من طقوس هذا الشهر المبارك، وأخرى مرت عليه كزمن لأحداث قصة الفيلم، أشهر هذه الأفلام "سيد درويش"(1966) للمخرج احمد بدر خان، الذي تدور أحداثه حول الحياة القصيرة الحافلة بالنبوغ والعبقرية للموسيقار سيد درويش( 1892-1923)، إذ نرى في مشهد جمع أسرة سيد درويش، أمه وأخواته الثلاث على مائدة الإفطار بعد سماع صوت المدفع المجلل، لتنتقل الكاميرا إلى أزقة الحارة التي يتجول فيها الأطفال وهم يحملون الفوانيس ويرددون "واحوية وحوي"، ولأن الأسرة فقدت معيلها يزورهم صديقه الذي يسكن في محافظة أخرى، ويهديهم كسوة العيد مستغلاً بركات شهر التكافل والتسامح.
وفيلم "في بيتنا رجل" الذي اشتهر كثيراً في تاريخ السينما المصرية وما زال يشاهد بمتعة، أخرجه هنري بركات ومثل فيه عمر الشريف وزبيدة ثروت، وقصته مقتبسة من رواية بالاسم ذاته لإحسان عبد القدوس، إذ يدور جزء من أحداثه في رمضان، فثمة مدفع الإفطار والأذان وخلو الشوارع من الناس وقت الفطور، التي يستغلها بطل الفيلم المطلوب للشرطة للهروب من المستشفى الذي يرقد فيه، وحينما يلتجئ إلى بيت صديقه للاختباء يستغل انهماكهم في الفطور للهروب من البيت خوفاً على الأسرة، وهنالك مشهد لا ينسى، حينما يختلي حسين صدقي بحبيبته فاطمة رشدي في سطح المنزل، فيتناجيان وتأخذهم غيبوبة عشق لا يفيقان منها، إلا على صوت المسحراتي وصوت "دمامه" وهو يصيح "اصحى يا نايم" في مشهد من الفيلم الواقعي الرائد "العزيمة"، ومن الأفلام الأخرى التي تناولت رمضان بشكل بسيط : "اضراب الشحاتين"(1967)، و"قلبي على ولدي" (1952)، و"الشيخ حسن"(1952)، لكن هنالك أفلاماً تناولت رمضان بشكل أعمق منها "الايمان" (1948)، ومن الأفلام الجديدة "عسل أسود" (2010)، و"اكس لارج"(2011) وعلى العموم قيمة هذه الأفلام، تنبع من كونها توثق عادات وتقاليد بعضها لم يعد موجوداً.