ماذا لو توقف قارب أبو حيدر؟

العراق 2022/04/11
...

 ذي قار: نجلاء الخالدي          
قارب أبي حيدر الذي حمل كبار الرؤساء والمسؤولين وطاف بهم بين الأهوار بات من الصعب عليه أن يعمل فقد أخبره مصلحو القوارب بأن عليه أن يتوقف عن رحلاته حتى يستبدل ماكنة القارب التي يبلغ سعرها نحو ستة ملايين دينار وهو مبلغ لايمكنه أن يدبره
حمل قاربه الذي تحول إلى أيقونة أهوارية مشاهير السياح من شخصيات سياسية وثقافية وفنية سحرها جمال الأهوار جاب بهم في رحلات مشوقة بين ربوع الممرات المائية الشاسعة، وهم يستمتعون بصوته الشجي ومواويله الحزينة.
وعلى صدى مواويله التي تنقلها الريح  إلى السكان فجراً، فيعرفون أن النهار نسج خيوطه، وأن أبا حيدر بدأ رحلته اليومية على متن قاربه الذي يشق مياه الهور وهو ينثر الأغاني بين المنازل القصبية التي تطفو فوق المياه الهادئة.
وحين يصل إلى مياه الهور العميقة يلقى شباكه على أمل اصطياد بضع سمكات وكثيراً ما عاد بصيد شحيح  قد لايغطي تكلفة رحلته لكنه يهون على نفسه بموال حزين، ويعاود المحاولة في رحلة أخرى من دون أن يفقد الأمل فثمة أماكن أخرى لابد أن يجد ضالته فيها ،وما عليه إلا أن يطلق العنان لقاربه الخشبي نحو الهور الشاسع.
وكثيراً ما تستغرق رحلاته ساعات طويلة، يبتعد فيها كثيراً عن أطراف نهر الفرات في الجهة التي ينتظر فيها تجار المدينة صيادي السمك.ويعود أبو حيدر إلى عياله التسعة فيتحلق حوله الصغار فرحين بما يحمله من حلوى وفواكه وملابس جديدة.عاش أبو حيدر سنين عجاف عصفت بحياته منذ أن اندلعت الحرب 'العراقية ـ الإيرانية" مطلع القرن المنصرم وشردته إلى مكان آخر قرب العاصمة بغداد، عاملاً في أحد حقول المحمودية بعد أن أمضى أكثر من نصف قرن من عمره على ذلك المشحوف الخشبي حيث ولد وترعرع في قلب الهور، وبعد سقوط النظام البائد وعودة المياه كان أول العائدين تاركاً كل مغريات المدينة خلفه.
ولأن الطبيعة لا تخذل من يخلص لها، فتحت أمام أبي حيدر مهنة جديدة، حيث عمل في السياحة وحمل قاربه زوار الأهوار لكن قاربه الذي تدفعه ماكنة تعمل على البانزين أنهكته تلك الرحلات الطويلة، وبدأت تكثر أعطاله فيتوقف قبل أن يكمل الرحلة بين ممرات المياه ويرتمي أبو حيدر على جبيشة القصب بانتظار من يصلحه وكثيراً مايتأخر إصلاحه لعدة أيام، فينقطع رزقه وكم من مرة تكرر الأمر ولكن أبا حيدر ظل محتفظاً بأمله مداوياً لحزنه بمواويل شجية وحزينة.
قارب أبي حيدر الذي حمل كبار الرؤساء والمسؤولين وطاف بهم بين الأهوار بات من الصعب عليه أن يعمل فقد أخبره مصلحو القوارب بأن عليه أن يتوقف عن رحلاته حتى يستبدل ماكنة القارب التي يبلغ سعرها نحو ستة ملايين دينار وهو مبلغ لايمكنه أن يدبره.وكثير من الناس يتساءلون هل يعقل أن كل تلك الشخصيات التي حملها القارب وأمضت ساعات طويلة مع أبي حيدر منتشية بسحر الطبيعة وعذوبة صوته تبخل على الرجل  بمبلغ لا يعني شيئا بالنسبة لها، قارب أبي حيدر المنهك وماكنته التي باتت لا تعينه على الأبحار في عمق الأهوار مهدد بالتوقف عن العمل.