د. حامد رحيم
يعدُ هذا المفهوم ركيزة مهمة من ركائز النتائج التنموية، ويعدُّ من حقوق الانسان، وتزداد الحاجة له مع ارتفاع نسب الانكشاف الاقتصادي للدول والذي يقود الى حالة التبعية، الأمر الذي يرفع حجم المخاطر بشكل عام وتحدي توفير الغذاء بشكل خاص. أما مفهوم الأمن الغذائي فهو مفهوم متطور، اذ يشير المفهوم التقليدي إلى أنه "قدرة الدولة على تلبية حاجات سكانها من الغذاء الأساسي من انتاجها المحلي او الحصول عليه من الخارج"، وهذا المفهوم بدائي يعتمد على فكرة معالجة الأزمة أي أنه سياسة ردود افعال وتركز هذه السياسية على الغذاء الأساسي (ملء البطون) فقط.
اما مفهوم منظمة (الفاو) فيشير إلى أنه "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من اجل حياة صحية ونشطة"، وعند هذا الحد نستنتج ضرورة البعد النوعي في الغذاء الى جانب الكمي مع اشارة الى الاستمرارية، التي تعني الاستدامة وهذا يعني ان القضية ليست ردود افعال تجاه أزمة. والسؤال: كيف لنا أن نحقق هذا المفهوم من منظور ستراتيجي؟ وهنا لا بد من نظرة الى البنية التحتية للامن الغذائي بشكل تفصيلي، فالعملية تحتاج الى انتاج الغذاء واجراء المعالجات الضرورية، ومرونة التعامل مع حجوم الانتاج عبر عملية التخزين، وايجاد مرونة عالية لعملية التسويق.
تعد الزراعة والثروة الحيوانية ركيزة أساسيَّة في المرحلة الاولى، وهي تتطلب الانتاج الواسع الذي يضمن الوفرة، إضافة الى إيجاد عملية تشابكية بين الزراعة والصناعات الغذائية، وكلما ينخفض الاعتماد على الخارج انعكس على فاعلية هذه المرحلة.
اما المرحلة الثانية والمهمة جدا للتعامل مع الانتاج في المرحلة الاولى، اذ لا بد من سعة خزن ملائمة مرنة لها قدرة استيعاب، خصوصا المحاصيل الستراتيجية كالقمح والذرة التي تحتاج الى سايلوات متطورة. واخيرا مرحلة الوصول الى المستهلك عبر التسويق وهي عملية مترابطة بالبعد المكاني وأساليب النقل وطرق العرض للسلع. أمننا الغذائي، كحال بقية المحاور الاقتصادية، مهدد وقلق، نتيجة للظروف التي نمر بها، فنجد حجم الصادرات مع الاستيرادات الى الناتج المحلي الاجمالي مرتفعة وصلت الى 75 % عام 2008 و105 % في عام 2004، وكذا الحال لباقي السنوات وبلحاظ أن النفط يشكل 99 % من معدل الصادرات والشق الاكبر من الاستيرادات هي استهلاكية وليست انتاجية، والدليل نسبة مساهمة الصناعة التحويلية لم تتجاوز معدل 2 % والزراعة معدل 5 % مما يعني أن الاقتصاد منكشف وتابع، وهذا مؤشر على اختلال الأمن الغذائي. اما بخصوص التخزين، فالعراق يملك 45 سايلو تخزين للحبوب بسعات مختلفة يرافق عملها مشاكل كبيرة، ومع مواسم تسليم المحصول نلاحظ الطوابير الكبيرة وتأخر تسليم المستحقات المالية، ناهيك عن فترة إنشائها تعود الى عهود قديمة، ولم نسمع عن مشاريع في هذا المجال باستثناء بعض التصريحات عن نية الحكومة اقامة مخازن حبوب جديدة. اما التسويق فمشكلة البطاقة التموينية المستعصية واضحة للعيان ناهيك عن تخلف قطاع النقل والتجهيز وغيرها.
إذاً ما زال العراق بحاجة الى أن يكون قريبا من منظور لمعالجة قضية الأمن الغذائي، وكل ما يحصل حاليا هو ردود افعال لا ترقى الى أي معالجة جوهرية، تستند الى فكرة الوفرة المالية النفطية وتوجيه عوائدها الى الخارج لاستيراد الغذاء.