رمضان في السماوة .. بين التقاليد المتوارثة وأنماط الحياة الحديثة

ريبورتاج 2022/04/13
...

 احمد الفرطوسي
 تصوير: خضير العتابي
يعتبر شهر رمضان المبارك من الأشهر التي تحظى بأجواء خاصة، لما له من روحية كبيرة على المستوى العام، تتمثل في الانقطاع إلى الله تعالى وممارسة العبادات من جهة، ومن جهة أخرى على المستوى الاجتماعي، إذ يجتمع الأهل والأقارب والأصدقاء على موائد الإفطار ويتبادلون أطراف الحديث ويتسامرون إلى أوقات متأخرة، وبذلك تتعزز حالة الوحدة والألفة والتماسك الاجتماعي بين أبناء المجتمع. 
أما في أيامنا هذه؛ فيعتقد البعض أنّ التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على تغيير كبير في عادات الناس المتوارثة، وزادت من حالات التباعد بين الأهل والأقارب، والجلوس على موائد رمضان، إذ استغنوا بالرسائل النصّية ومواقع التواصل الاجتماعي عن الالتقاء والتزاور والاجتماع، بل وصل الأمر إلى إدخال أبناء الأسرة الواحدة في طريقة التواصل أو التعامل
الالكتروني.
 
طقوس خاصة
وقال إمام جامع السماوة الكبير، كاظم العوادي في حديثٍ لـ «الصباح»: «كانت في زماننا، طقوس خاصة لشهر رمضان المبارك، في كل أوقات الشهر الفضيل من الصباح إلى المساء وحتى السحر»، مضيفاً «أنَّ أهم تلك الأوقات هي في الليل بعد الفطور وأداء العبادات الخاصة، إذ الالتقاء بالأهل والأحبة وتبادل أطراف الحديث والسؤال عن الغائبين، ثمّ الافتراق إلى البيوت وممارسة العبادات قبل أوقات السحر، وفي الصباح الباكر، يذهب كل منا إلى
عمله».
 
يقين
وتابع القول: «كانت في أيامنا الحياة بسيطة وغير معقدة في جميع مفاصلها حتى على مستوى التواصل مع الآخرين، كانت اللقاءات تتم في المجالس والأماكن العامة أو عند بيت أحد الأصدقاء، وحتى وسائل التسلية للذين يتابعونها كانت بسيطة جداً، تتمثل في التلفاز، وكانت برامجه ومسلسلاته محدودة وهادفة، تعرض برامج رصينة وفيها فائدة خاصة للناس في ذلك
الزمان». 
وزاد «أما على مستوى العبادة، فإن شهر رمضان المبارك فيه محطات كبيرة، إذ يقف الإنسان مع نفسه في الصلوات والدعاء، ومن أهم هذه الأوقات ليلة القدر، الليلة المباركة التي تعادل ألف شهر من أشهر السنة، إذ نجد الناس منشغلين في العبادات والصلوات وقراءة القرآن وليلة إحياء جرح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وإحياء الشهادة
المباركة. 
وكانت في الشهر الفضيل خاصية مهمة، إذ إن الأهالي كانوا يتبادلون الموائد، إذ إن الشارع، أو ما يسمى بـ (العكد) يمسي كأسرة واحدة في التضامن الاجتماعي، وبذلك أنت على يقين بوجود فقير، وهذه الصورة هي أبهى وأجمل الصور التي رأيتها في
حياتي».
 
أجواء خاصة
من جانبه الحاج أسعد محمد (70 عاماً) قال: «اعتدنا على اكتظاظ المساجد والحسينيات بالمؤمنين في شهر رمضان المبارك، خلال الليل والنهار في السنوات السابقة، إذ يتجمع المؤمنون في بيوت الرحمن، وتكون المساجد عبارة عن خلية نحل في جميع الأوقات، إذ تبدأ في أوقات النهار حلقات الذكر وقراءة القرآن والأدعية. 
أما في الليل فيكون لرمضان جو خاص في ليالي السماوة، إذ يتجمع المؤمنون في المساجد للاستماع إلى المحاضرات الدينية التوعوية التي تعبر عن حالة من التماسك والتضامن الاجتماعي التي اعتاد عليها السماويون وألفوها»، مبيناً «أن هذه المجالس التي تعقد في هذا الشهر الفضيل خرجت منها الكثير من المبادرات الإنسانية، منها مساعدة المحتاجين من المرضى والمتعففين من الرجال والنساء
والأطفال». 
ولفت محمد إلى أن «فيروس كورونا وطبيعته في الانتقال بين البشر وخوف الناس على أسرهم وأنفسهم من الإصابة، حجم بشكل كبير من المشاركة في جميع الطقوس والفعاليات والنشاطات الدينية والاجتماعية وهو أمر محزن حقاً، خصوصاً أن هذا الشهر يعتبر من الأشهر التي تعتمد على التجمعات البشرية العبادية إذا جاز لي التعبير، من صلاة جماعة وتلاوة جماعية وموائد الإفطار
الجماعي». 
خاتماً حديثه بالقول «نحن لا نملك غير الدعاء إلى الباري عز وجل أن يزيح الغمة عن هذه الأمة وترجع الأمور إلى سابق عهدها».
 
فرصة
بينما ترى مدرسة مادة الاجتماع زهراء عبد «أن  رمضان شهر فضيل ننتظره كل عام، ونستعد له روحياً ومعنوياً ومادياً واقتصادياً. 
فقبل حلول الشهر الفضيل نعد قائمة بالمشتريات التي نحتاجها في هذا الشهر، لما له من خصوصية، إذ الأكلات والأطعمة التي نعدها للأسرة، وكذلك الاستعداد لإقامة الموائد للمحتاجين والفقراء وذوي الدخل المحدود، وكذلك توزيع السلات الغذائية بين الأسر المحتاجة، والعديد من المبادرات التطوعية لمساعدة الفقراء رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، وتأثر المستوى الاقتصادي لكثير من الأسر بسبب جائحة كورونا وارتفاع
الأسعار.
 
أجيال مختلفة
بينما قال الشاب الجامعي حيدر علي لـ «الصباح»: «المشكلة الحقيقية التي نعاني منها على الصعيد الاجتماعي هي أن كبار السن لا يدركون أو يتقبلون أننا نحن الجيل الجديد نختلف تماماً عن الجيل القديم في كل شيء حتى إن الإمام علي (عليه السلام) أشار إلى هذه الحالة بقوله: «لا تعلموا أولادكم على ما تعلمتموه انتم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، من هذا الحديث الشريف يتبين أن لكل زمان خصائص معينة يمتاز بها أبناء ذلك
الجيل». 
مضيفاً «أما على أرض الواقع لا أحد يستطيع أن يغيّر المجتمع، فالحياة تتغيّر وما يصلح لزمنٍ لا يصلح لآخر، وهكذا تسير المجتمعات البشرية اليوم، فالحياة اليوم تعقّدت وأصبحتْ صعبةً، وأخذ الفرد ينأى بنفسه عن الآخرين ليس في رمضان فقط، وإنما في بقية أيام
السنة». 
وبيّن «أنا شخصياً قليل الاختلاط مع الآخرين في رمضان بعد الإفطار والصلاة وقراءة القرآن، أبدأ بالتواصل مع الأحبة والأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) وحتى مع بعض أفراد أسرتي وهذه حالة طبيعية، لأنها أصبحت ضرورة ولا ندري في الأيام المقبلة كيف تكون
الحياة». 
وختم بالقول: «أتمنى للجميع صياماً مقبولاً، وعلى الجيل القديم أن يدركَ أنَّ الحياة قائمة على أساس
التغيير».