أحمد عبد الحسين
هل لدينا أناس أغنياء حقاً؟
أتابع كما يتابع سكّان المعمورة اثنين من أغنى أغنياء الكوكب هما «بيل غيتس» و»إيلون ماسك». كلاهما ملياردير كوّن ثروته من ثورة التقنيات الحديثة، لكنْ بحساب الفلسفة ووجوه استثمار المال، فإنَّ بينهما بعد المشرقين.
ماسك فيلسوف مهووسٌ بالنهايات والرؤى القيامية ويتعاطى مع موت الأرض باعتباره قدراً آتياً لا خلاص منه، فهو يستثمر أمواله الطائلة على مرحلة ما بعد الكارثة، يريد زراعة المريخ وجعله واحات مهيأة لاستقبال من سيتبقى من البشرية بعد فرارهم من كوكبهم المنقرض، وقبل ذلك يريد إنساناً خالداً هناك، هو صاحب الجملة التي لا أظنّ أحداً قالها قبله “يمكن للإنسان ألّا يموت”، يريد إنساناً بذاكرة أسطورية وخلايا تتجدد من تلقاء ذاتها وأعضاء تكون بديلة عن التالفة. هذه أحلامه الملحميّة؛ لكنه ـ بسبب فلسفته القدرية ـ يترك الأرض لمشكلاتها البيئية التي تقرّبها من نهايتها. فيلسوف يستعجل القيامة ويريد للبعض أن ينجو منها.
نقيضه التامّ الفيلسوف الأرضيّ بيل غيتس، يرى القيامة التي يراها صاحبه لكنه موقن بقدرة الكائن على تصحيح مساره حين يقف على شفا الهاوية. ولذا فإنّه يستثمر خزائنه لإنقاذ العالم، مناضل بيئيّ ومستثمر كبير في صناعة الأدوية، مكافح ضدّ السرطان وله جهد كبير في مكافحة كورونا، وأخيراً شغوف بالزراعة إلى حدّ أنَّ الإعلام الأميركي يسميه “أكبر فلاح في أميركا”. والحقيقة هو أكبر وأغنى فلّاحي العالم.
رؤيتان وفلسفتان عميقتان تدوران في رأسَيْ أغنى رجلين في الكون: الأولى قيّاميّة تشبه جملة المسيح “مملكتي ليست من هذا العالم” فهو يبحث عن عالم جديد يليق بإنسان خالد، أما الثانية فأرضية ترابيّة واقعية، ولها قرابة من جملة نيتشه المضادّة “مملكتي من هذا العالم”، عينه على الكارثة لكنه مترعٌ بالأمل والإيمان بقدرة الإنسان على الخلاص هنا والآن.
أفكّر بهذين الفيلسوفين وفي خاطري هؤلاء الأغنياء الذين يرتعون في مضاربنا السعيدة. يقتلون ويخونون وطنهم ويسرقون ويكذبون ويفسدون ويفقدون شرفهم ويدوسون أخلاقهم ويتنكرون لسويّتهم البشرية من أجل أن يكونوا أغنياء ثمّ آخر الأمر يفطسون ويتركونها للورثة الذين سيكونون ولا بدَّ أسوأ منهم.
هؤلاء يملكون المال لكنهم ليسوا أغنياء حقاً. من لا يملك إلا المال فهو غبيٌّ لا غنيّ.