محمود عبود
مرت قبل أيام الذكرى الخامسة والأربعون لرحيل الفنان عبد الحليم، علي شبانة المعروف باسم عبد الحليم حافظ، الذي فاضت روحه إلى السماء في 30 آذار عام 1977.
هذا الفنان الذى يصاحب الخلود صوته أينما سُمع، هو اليتيم ابن قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، الذي أفرز يتمه حزناً صاحبه طوال رحلة عمره القصير، وكان باعثاً رئيساً على شجن فنه.
عاش حليم حياة صعبة، تأرجح خلالها بين اليأس والرجاء حتى ابتسمت له الحياة ولأول مرة منذ ميلاده، بعدما قدمه الفنان الرائد يوسف وهبي للجمهور خلال الحفل الغنائي الذي أقيم في العام 1954 بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية لقيام الثورة المصرية في تموز عام 1952، يومذاك قال يوسف بك وهبي: "يسعدني أن أعلن عن ميلاد فنان شاب اسمه عبدالحليم حافظ"، وغنى "حليم" ليلتها "صافيني مرة".
ظهر صوت "حليم" فقط لأول مرة في السينما حينما غنى في أفلام: "بعد الوداع"، "بائعة الخبز" عام 1953، وفي فيلم "فجر" 1955، وهو العام الذي صدرت فيه لحليم 4 أفلام من بطولته هي: "ليالي الحب"، "لحن الوفاء"، "أيام وليالي"، "أيامنا الحلوة", وقد حققت تلك الأفلام نجاحات جماهيرية كبيرة زادت من شعبية ونجومية حليم..
واستطاع "حليم" من خلال تلك الأفلام، أن يغير الصورة النمطية للمطرب الممثل التي كانت معروفة قبل ظهوره في السينما، إذ قدم أسلوباً تمثيلياً بسيطاً وصادقاً، وهو المعروف بإحساسه العالي ودفء نبرات صوته، فأحس به الجمهور وتعلق به، حتى صار قريباً منهم، بل عدوه واحداً منهم، فاشتهر بزمن قياسي وصار من أهم نجوم شباك السينما المصرية، بعد العام 1955 الأمر الذي دفع الموسيقار محمد عبدالوهاب لأن ينتج له أحد أهم أفلامه وهو "بنات اليوم"، وفي العام ذاته صدر له فيلمان آخران هما : "موعد غرام"، و"دليلة"، وكان "دليلة" التجربة الإنتاجية الأولى لـ "حليم"، وأول فيلم مصري سكوب ملون، لكنه لم يحقق النجاح المنشود، وسبب ذلك من وجهة نظر النقاد، يعود إلى أسلوب محمد كريم مخرج الفيلم، الذي أخرج معظم أفلام عبد الوهاب، إذ تعامل مع حليم باعتباره امتداداً لأستاذه عبد الوهاب، فلم يتحمس الجمهور للفيلم ولم يجن أرباحاً تذكر في شباك التذاكر.
خلال الأعوام من 1957 وحتى 1959 صدر لـ "حليم" 4 أفلام استعاد بها نجاح أفلامه في شباك التذاكر وهي : "فتى أحلامي" ، "شارع الحب" ، "حكاية حب" ، "الوسادة الخالية"، الذي ألهب مشاعر الشباب من خلال تناوله لموضوع الحب الأول في حياة كل شاب وفتاة، ما جعل من "حليم" فتى الأحلام الأول في السينما المصرية..
وشهدت فترة الستينيات من القرن الماضي خمس بطولات سينمائية لـ "حليم" من خلال أفلام :"البنات والصيف"، و"يوم من عمري"، و"الخطايا"، و"معبودة الجماهير" ، ثم الفيلم الأخير "أبي فوق الشجرة" الذي استمر بالسينمات لمدة (56) أسبوعاً وهي أطول مدة لفيلم بدور العرض المصرية حتى الآن، كما حقق إيرادات بلغت (2.6) مليون دولار وقتها .
من ناحية أخرى فقد ظهر حليم كضيف شرف في فيلمين هما: "اسماعيل ياسين بوليس حربي"، و"قاضي الغرام" عام 1962.
وفي الستينيات مثل حليم بصوته في السينما من خلال فيلم "أدهم الشرقاوي" الذي غنى كل أغنياته، كما كرر ذلك في فيلم "فجر يوم جديد"، ولم تتوقف إسهامات "حليم" السينمائية عند التمثيل والغناء، بل امتدت للإنتاج السينمائي، إذ أسس شركة إنتاج فني باسم "صوت الفن" ما زالت موجودة إلى يومنا هذا، وأنتجت (14) فيلماً منها: "الراهبة"، و"حكايتي مع الزمان"، و"بالوالدين إحسانا"، و"مولد يا دنيا"، و"جناب السفير".
آمن حليم بالسينما ودورها ومكانتها وظل يعمل على مشاريع إنتاج الأفلام حتى وفاته، وكانت له 3 مشاريع لأفلام لم يمهله القدر لتنفيذها هي : "وتمضي الأيام" مع سعاد حسني من إخراج يوسف شاهين ، و "منتهى الحب" مع سعاد حسني وليلى مراد ، و "لا" تأليف مصطفى أمين وإخراج الجزائري احمد راشدي .
عبد الحليم حافظ ظاهرة فنية فريدة على مستوى الأغنية والسينما أيضاً، فهناك إجماع على أنه أفضل المطربين الذين اقتحموا عالم التمثيل السينمائي من حيث الأداء التمثيلي واختياره للشخصيات التي أداها، وأخيراً النجاح الجماهيري والإشادات النقدية.