علي حمود الحسن
تمتعت بمشاهدة "فيلم محمد رسول الله" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي، الذي أرخ فيه لطفولة النبي محمد (ص) وفتوته حتى الثانية عشرة من عمره الكريم، احتاج مجيدي إلى ثماني سنوات لإكمال مشروعه التاريخي، وسط رفض مؤسسات دينية داخل إيران وخارجها، إذ عارضه الأزهر بشدة، وكذلك مفتي الديار السعودية، وأصدرا فتاوى بتحريم عرضه، على الرغم من عدم مشاهدتهما الفيلم أصلاً، فضلاً عن معارضة رجال دين متشددين داخل إيران لتجسيد الرسول الأكرم؛ وإن كان ذلك في طفولته، بل إن بعض هؤلاء هددوا بأكثر من ذلك.
شيّد المصمم الكرواتي المعروف ميلجن كركا كلوكوفيتش نموذجاً هائلا ًلمدينة مكة، لتكون موقع تصوير للجزأين الثاني والثالث في حال إنتاجهما، وبلغت ميزانيته 50 مليون دولار، وصوره الإيطالي فيتوريو ستورارو، الحاصل على ثلاث جوائز أوسكار، بينما نفذ المؤثرات والمكياج فريق غربي متخصص، وجسد طفولة الرسول الأكرم(ص) ثلاثة ممثلين أطفال من مجموع 800 طفل، هم : علي جليلي، وأمير حيدري، وحسين جليلي، فضلاً عن علي رضا شجاع (عبد المطلب)، ومهدي باكدال (ابو طالب)، ومينا السادات (آمنة بنت وهب)، و سارة البيات(حليمة السعدية)، بينما لعب شخصية أبي لهب محمد العسكري وجسد شخصية أبي سفيان الإيراني داريوش فرهنك.
التجأ صاحب "أبناء السماء" إلى بناء لا خطي في سرد أحداث فيلمه، معتمداً على راوٍ عليم ينتقل من واقع مؤلم ومزرٍ، يتعرض له المسلمون ينتهي بحصارهم بوادٍ غير ذي زرع، يعرج بعدها على معجزة الأرضة التي أكلت الصحيفة وأتت عليها، وقبل ذلك يستذكر عبد المطلب عام الفيل وكيف اندحر الجيش العظيم بأفياله الضخمة، عندما ظهرت طيور تسد عين السماء وتلقي بحجارة، فيهزم أبرهة ويسلم البيت العتيق. صور ستورارو جيش أبرهة بمكة بلقطات ساحرة تخلب العقل، وبدت لمسات الفنانين العالمين واضحة، بل أقرب إلى الاكتمال، لا سيما تلك المشاهد التي صورت معجزات الرسول(ص) في طفولته.
حاول مجيدي جاهداً أن يكون موضوعياً في كتابته للسيناريو، معتمداً الطبري وسيرة ابن هشام، كمصدرين معتبرين، باثاً خطاباً تقريبياً بين المذاهب الإسلامية والعالم، فأظهر ما كتبه اليهود والمسيحيون من علامات تبشر بولادة الرسول الأعظم، لكنه من وجهة نظر منتقدين، اسقط التاريخ على ما يحصل اليوم، من خلال تركيزه على علاقة ابي لهب باليهود ومحاولاتهم المتكررة لاغتيال الرسول الأكرم(ص).
الفيلم الثاني عن السيرة العطرة للرسول الأكرم(ص) بعد "الرسالة"، المنتج على طريقة هوليوود ليحققا انتشاراً واسعاً، هل أفلحا؟ الأول نعم، الثاني لا.