ما الديموقراطية إلا خوف!

العراق 2022/04/20
...

أحمد عبد الحسين
بعيداً عن الدرس المنهجيّ، فإنّ الفارق الحاسم بين نظام حكم ديكتاتوريّ وآخر ديموقراطيّ، ليس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بل أمر يتعلّق بالسؤال التالي: منْ يخافُ ممّن؟
إذا كان الشعب خائفاً من سلطته فهذا حكم ديكتاتوريّ مبين، وإنْ كان العكس ورأيت السلطة ترتعب خوفاً من شعبها فهو نظام ديموقراطيّ. واعتقادي كلّ الفوارق الأخرى تقع على هامش هذا التوصيف. في الديموقراطية يحذر السياسيّ من الإتيان بفعل يغضب الجمهور، وإلا فإن العقاب بانتظاره؛ آجلاً من خلال الانتخابات؛ أو عاجلاً باحتجاج وتظاهرة وصوت عالٍ مرفوع ضدّه.يستطيع السياسيّ ـ خاصة إذا كان فاسداً وبالتالي ذا مال وفير ـ شراء الصندوق، وشراء الأصوات التي فيه أيضاً، وتزويرها، لكنّه لن يستطيع إسكات الأصوات الغاضبة أو المحتجّة إلا بالرضوخ لها أو اللجوء للسلاح، أيْ أن يستسلم لخوفه منهم أو يخلق لهم ما يخيفهم.في الديموقراطيات كما في الديكتاتوريّات فإن العلاقة بين الحاكمين والمحكومين هي علاقة "تخويف". الشعوب المستسلمة لقدرها الخانعة لمصيرها ـ كوريا الشمالية مثالاً ـ هي التي ترفع خوفها من الحاكم إلى مصافّ العبادة، بينما الشعوب الحيّة هي القادرة على إخافة حاكميها وإفهامهم أنهم خدمٌ لهم وموظفون عندهم إنْ أساؤوا فإن النقمة بانتظارهم. ليس الاحتجاج ترفاً ولا رغبةً في الاستعراض والاعتراض، إنه مكمّل أساسيّ للديموقراطية. فالسياسيّ غير الخائف هو مشروع طاغية مستبدّ مع وقف التنفيذ. وتجريم الاحتجاج وتسفيهه واتهامه بالعمالة هو تبرير لطغيان قائم أو قادم. ليس بمقدور السياسيّ إعطاء ضمانة على رسوخ الديموقراطية. الضمانة الوحيدة لذلك هو صوت الناس، صوتهم في الانتخابات، فإنْ ضاع صوتهم في الصناديق هباء فإنّ صوتهم في الساحات سيكون أكثر وضوحاً. من الصندوق إلى الساحات، معادلة طرفاها الناس والحاكمون، وسيكسب فيها لا الأكثر مالاً ولا الأكثر نفوذاً ولا الأكثر ارتماء في حضن الأجنبيّ، بل الأقدر على إخافة الآخر.