طبيعة العراق.. كنوز لا تنضب

ريبورتاج 2022/04/21
...

 بدور العامري 
 تصوير:  نهاد العزاوي
هل ركبت مشحوفاً من قبل في رحلة داخل أحد الأهوار؟، وهل شاهدت الطيور ذات السيقان الطويلة؟، وهل أصغيت لتغريد العصافير وهديل اليمام؟، وهل حلق فوقك في السماء نسر مهيب، قد تكون رأيت جاموساً يغادر مياه الهور للشاطئ، أو قطاً برياً متربصاً بطائر لاصطياده، وربما كنت محظوظاً وأبصرت قضاعة (كلب الماء) يفر هارباً مختبئاً بين نباتات القصب، وهل استمتعت بمنظر الخضرة واختلاف الأشجار والنباتات وزهورها البديعة؟ بعد رحلتك النهرية، هل مررت على باعة السمك وشاهدت أنواع الأسماك وأحجامها وألوانها المختلفة. 
الورقة الخضراء
إن ما سمعته وما شاهدته يعطيك فكرة عن التنوع الأحيائي في المحمية الطبيعية، بهذه الأسئلة والمعلومات افتتحت وزارة البيئة احتفالها الخاص بإعلان موقع الطيب والدلمج محميات طبيعية ضمن مشروع الخطوات الأولية لإنشاء شبكة المحميات الطبيعية في
العراق.
وزير البيئة الدكتور جاسم عبد العزيز الفلاحي، قال «إن هذه الخطوة ستمثل قفزة حقيقية نحو مستقبل تعزيز الجانب البيئي في البلاد».
وتابع الفلاحي «أن هناك اهتماماً واضحاً من قبل الحكومة الحالية بالجانب البيئي، إذ تضمن برنامجها الإصلاحي إعداد الورقة الخضراء والتوجيه بتنفيذها، باعتبارها ستراتيجية مهمة لإصلاح بعض الاقتصاد الأخضر المستدام المستند إلى الطاقات المتجددة والحلول النابعة من الطبيعة، وأشاد وزير البيئة بدور الجهات الداعمة، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومرفق البيئة العالمي لما بذلاه من جهود كبيرة في تمكين وزارة البيئة من استكمال هذا المشروع المهم، مبيناً سعي العراق إلى مواصلة الجهود الرامية لضم أكبر عدد من المواقع كمحميات طبيعية، وفقاً للتقارير والتوصيات التي قدمتها الجهات الدولية ذات العلاقة. 
يتم اعتماد المواقع الطبيعية كـ (محميات) وفقاً للتعليمات التي نص عليها نظام رقم ٢ لسنة ٢٠١٤ والمتمثلة بموافقة اللجنة الوطنية للمواقع الطبيعية المحمية برئاسة وزارة البيئة وعضوية الجهات ذات العلاقة، ثم يرفع الطلب إلى مجلس حماية البيئة الذي يترأسه وزير البيئة وبعد المصادقة عليه يرفع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء للموافقة
عليه.
 
قاعدة بيانات
الممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سامي ديماسي، سلط الضوء على أهمية مثل هكذا مشاريع في مجال تحسين الواقع البيئي العالمي، مبيناً  «أن التدهور البيئي وفقدان التنوع البايولوجي كتفاقم ظاهرة التصحر وتكرار الظواهر المناخية الشديدة باتت تشكل تهديدات حقيقية لحياة الانسان»، مشيراً إلى أن مشروع شبكة المحميات يعتبر من المشاريع المهمة على مختلف الأصعدة، إذ يوفر قاعدة بيانات متخصصة بالمعلومات الجغرافية والطبيعية والاقتصادية الخاصة بالمواقع، وبحسب ديماسي تعد هذه الخطوة الأولى والأساسية التي ينطلق منها صناع القرار لاتخاذ التدابير اللازمة تجاه المرافق الطبيعية والحيوية، لأن العمل على ديمومتها والحفاظ عليها، يعني تحسين البيئة ثم الصحة ما ينعكس على وضع الإنسان بصورة عامة.
 
منظومة تشريعات
شهدت العقود الثلاثة الماضية اهتماماً عالمياً متزايداً بالمواضيع البيئية عموماً والموارد الطبيعية والتنوع البايولوجي على وجه الخصوص، بسبب أهميتها القصوى في تأمين هذه الموارد للأجيال القادمة وتعزيز رفاهية المجتمع، مدير الدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض، أوضح «أن الالتزام العالمي بقضية التنوع البايولوجي تزايد بعد إدراك حجم الأصناف والأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، نتيجة للاستخدام الجائر للمواد الطبيعية وانتشار أنواع من الكائنات الغريبة الغازية، إضافة إلى طرح المخلفات والمواد الكيميائية وتلوث الأنهار، فضلاً عن التغيرات المناخية الأخرى، مثل التصحر والعواصف الترابية»، وبحسب الفياض فإن وزارة البيئة ونتيجة لكل ما سبق تسعى إلى إحداث منظومة تشريعات وطنية تتلاءم مع النظام العالمي للتنوع البايولوجي، كما تحث الخطى لإعلان عدد آخر من المحميات الطبيعية، لغرض صون الأنواع النادرة والمهمة واستخدام الموارد الطبيعية على النحو المستدام.
 
أقاليم بيئية
مديرة مشروع الخطوات الأولية لإنشاء شبكة المحميات الطبيعية في العراق الدكتورة نجلة محسن حمود الوائلي تحدثت عن بيئة العراق الجغرافية، وما تمتاز به طبيعته من التنوع الفريد مقارنة بالدول الأخرى، حيث الجبال العالية والسهول والوديان والأراضي الصحراوية والهضاب والعيون المائية والأنهار والمستنقعات والبحيرات، يمكن لها أن تمثل مورداً اقتصادياً مهماً للبلد، وتابعت الوائلي «أن شبكة المحميات في البلاد تتألف من 24 موقعاً رئيساً، لتشكل ما يقارب 7 % من إجمالي مساحة البلاد الكلية، إذ تم اعتماد تمثيل الأقاليم البيئية كأساس للحماية، علماً أن العراق يقع ضمن تسعة أقاليم بيئية مختلفة من بينها إقليم سهوب الشرق الأوسط والصحراء الشجيرية لبلاد ما بين النهرين وإقليم الغابات الصنوبرية لشرق البحر الأبيض المتوسط».
 
تنوع أحيائي
وتابعت الوائلي: بما يخص التنوع الأحيائي الذي تمتاز به محمية الطيب، التي تقع في الجنوب الشرقي من العراق بمحاذاة الحدود العراقية – الإيرانية وإلى الشمال الشرقي من مدينة العمارة في محافظة ميسان، إذ أسهم موقعها الفريد في تميز نظامها البيئي الذي يجمع بين التلال الرملية التي تؤوي غزلان الريم، إضافة إلى السهول العشبية السائدة التي تتخللها الأراضي الرطبة الموسمية وسبخات عشبية ملحية، ما جعلها بيئة مناسبة لرعي الأغنام والمواشي، وكذلك تشكل الأهوار الموسمية في منطقة الطيب والجداول الجارية التي تنشأ أثناء موسم الأمطار، ما جعل المنطقة إحدى نقاط الجذب والتوقف الشتوية للطيور المهاجرة، وملاذاً للطيور
الصحراوية.
 
هور الدلمج
أما هور الدلمج الذي يقع في القسم الجنوبي من وسط العراق ضمن منطقة الفرات الأوسط، بين محافظتي الديوانية وواسط، فيشغل مساحة مركزية تقدر بـ590كم ومساحة محاذية تصل إلى 332كم2، إذ تعتقد الوائلي أن هذا الامتداد شكل العديد من المواطن البيئية الرائعة، ما بين البحيرات المفتوحة والأهوار العميقة والضفاف الضحلة، وصولا إلى المناطق شبه الصحراوية والصحراوية الرملية، بينما قدمت الدكتورة نجلة شرحاً مفصلاً يوضح أهم مزايا محمية هور الدلمج، إذ تمثل ملاذاً آمناً لحوالي (200) نوع فقري ما بين (ثدييات وزواحف وطيور وأسماك)، كما تعد محطة للراحة والتزود بالغذاء والتكاثر لآلاف الطيور المهاجرة، كون المحمية تقع على مسار هجرة الطيور، فضلاً عن أن موقع المحمية كان مهداً لحضارات عتيقة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة ماضية كحضارة السومريين.
 
تعزيز القدرات
مديرة قسم إدارة المشاريع الدكتورة رغد أسد بينت أهمية المشاريع التي من شأنها الارتقاء بمستوى الخبرة والعمل الميداني للعاملين في المجال البيئي، مثل مشروع نظم معلومات البيئة في العراق (EIS) الذي تم افتتاحه مؤخراً، إذ يهدف إلى تعزيز قدرات العراق في رصد وإعداد التقارير من خلال الاندماج الأفضل للاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف، وبحسب الدكتورة رغد فإن المشروع سيخدم بدرجة كبيرة أهداف التنمية المستدامة، وإنشاء نظام معلومات بيئي في الرصد والمراقبة للأوساط البيئية الخاصة بالاتفاقيات وتجهيز البنى التحتية المطلوبة لذلك.
ويعتبر المختصون في المجال البيئي والتنوع الأحيائي أن مشروع شبكة المواقع المحمية الطبيعية في العراق سيمكن البلد من المباشرة بإنشاء هذه المحميات وايجاد البنى التحتية الضرورية لها والدعم من قبل الجهات ذات العلاقة، المتمثلة بالمؤسسات الحكومية، إضافة إلى الدعم اللوجستي من المجتمعات المحلية في تلك المناطق، فضلاً عن دور الدعم الذي تقوم به الجهات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني في مجال التوعية والتثقيف لأهمية هكذا مناطق وحمايتها من التدهور
والاختفاء.