بالألف عافية

الصفحة الاخيرة 2022/04/25
...

حسن العاني 
على الرغم من مرور ثمانية عقود، إلا أن سكان قرية (الودعة) – الذين توارثوا حكاية ابن قريتهم الفلاح (رسن الراشد) وولده مهيوب – ما زالوا يستذكرون الحكاية فتأخذهم نوبة من الفخر بالولد مهيوب، ثم نوبة من
الضحك!
أصل الحكاية أن الولد يوم كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية – الصف السادس – أبهر معلميه بذكائه الذي كان وراء نيله المرتبة الأولى في امتحانات البكالوريا، وبات اسمه مدعاة مباهاة بين فلاحي القرية، ومعلوم أن القلة القليلة من أبناء القرى (يومها) هي التي تواصل تعليمها وتذهب إلى مركز الناحية لإكمال دراستها (المتوسطة)، لأن هناك (عرفاً) يقضي بالتحاق خريج الدراسة الابتدائية بالأرض والعمل الزراعي،  ولكن الفتى الذكي لم يكتف بشهادة (المتوسطة)، بل ذهب إلى القضاء وأنهى المرحلة الإعدادية، وفي بغداد حصل على الشهادة الجامعية، وختم استمراره وتفوقه بالسفر إلى الخارج للحصول على الماجستير والدكتوراه، وكان له 
ما أراد. 
سنوات مهيوب الدراسية جميعها تشير إلى تفوقه، وإلى أنه يخطو نحو الأفضل، وهذا ما دفع أهل قريته إلى أن يجعلوا منه إنساناً يضرب به المثل على نبوغه وذكائه، غير أن تكاليف الدراسة تجاوزت حدود الإرهاق على والده وأسرته، حتى إنهم اضطروا إلى بيع نصف أرضهم الزراعية، وثلاثة أرباع 
ماشيتهم!.
سبع سنوات عجاف أمضاها في الخارج وعاد بشهادة الدكتوراه، فاحتفت به أسرته وقريته احتفاء غير مسبوق، حفلات وولائم ودبكات على مدى ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع عادت الحياة إلى وضعها الطبيعي، وتولت (أم مهيوب) شواء دجاجة على الغداء ووضعتها أمام ولدها ووالده، وقبل أن يشرعا بتناول الطعام، سأل الأب ابنه عن العلم الذي درسه في الخارج فأخبره (علم المنطق)، وحين استفسر الأب عن هذا العلم، أوضح له معناه، غير أن الوالد لم يفهم حرفاً مما قاله، ولهذا سأله من جديد إن كان هذا العلم مفيداً مثل الطب أو الهندسة أو تحفيظ القرآن، رد عليه [بل هو عظيم الفائدة، لأنه يقوم على الاقناع، فأنا استطيع مثلاً اقناعك بأن هذه الدجاجة التي أمامنا هي دجاجتان]، طغتْ على الوالد فرحة غامرة وقال لولده [هذه الدجاجة من نصيبي، أما أنت فتناول دجاجة المنطق بالألف عافية!]، للعلم فإن أغلب سياسيينا درسوا 
علم المنطق في الخارج، ولكنهم كانوا (أشطر) من مهيوب، ولذلك أكلوا الدجاجة المشوية وتركوا لأبناء شعبهم دجاجة المنطق!.