خطــأ أينشتـايـن في العلاقة بين الفيزياء وعلم الأعصاب
استراحة
2022/04/27
+A
-A
ترجمة وتحرير: كامل عويد العامري
إنَّ الفرضيَّة الثوريَّة للنسبيَّة للزمكان الدماغي تلقي ضوءًا جديدًا على إدراكنا للعالم ووعينا وتفاعلاتنا الاجتماعيَّة والأمراض العقليَّة.
إعادة نظر
في الآونة الأخيرة، من خلال إدراك أنَّ الزمن لم يكن يُعدُّ دائمًا عنصرًا أساسيًا في فضاء الشبكة العصبيَّة، أعاد الكاتب ديني لو بيّان في كتابه الصادر في شباط 2022 النظر في نظريات النسبيَّة الخاصَّة والعامَّة، لمعرفة ما إذا كان يمكن وكيف تطبيقها لوصف تدفق النبضات العصبيَّة في الشبكة العصبيَّة.
بعد القراءة المتزامنة لثلاثة كتب هي: كتاب عن الهندسة المعماريَّة للمعابد اليابانيَّة (كانت اليابان مغلقة منذ قرون أمام الغرب، وكان على المهندسين المعماريين اليابانيين أنْ يفعلوا ذلك.
إعادة اختراع هندسة كاملة والحسابات المرتبطة بها) ؛ و(من لا عزاء له)، رواية لـ كازو ايشيغورو، الحائز جائزة نوبل للأدب، حول عازف البيانو الذي ضاع في فضاء شبه هذياني، محير في البداية، لكنه رائع؛ وأطروحة فيزياء عن نظريات النسبيَّة التي سمحت له بتحديث معارفه.
بعد مزيجٍ دقيقٍ، ربما في اللاوعي، بدتْ له أنَّ معادلات النظريَّة النسبيَّة يمكن تطبيقها على عمل الدماغ، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ سرعة انتشار التدفقات العصبيَّة في الشبكة العصبيَّة الدماغيَّة لها حدودٌ محدودة، مثل سرعة الضوء محدودة في الكون.
يترتب على ذلك، كما في الكون، أنَّ مفهومي الحاضر والتزامن نسبيان فقط، بالنظر إلى البنية التشريحيَّة الوظيفيَّة للدماغ، ويجب توحيد الزمان والمكان في فضاء- زمكان دماغي مشترك.
يجب أنْ يكون لهذا الزمكان الدماغي رباعي الأبعاد أيضًا انحناءٌ وظيفيٌّ ناتجٌ عن نشاط الدماغ، بالطريقة ذاتها التي تعطي بها كتل الجاذبيَّة الزمكانيَّة لكوننا رباعي الأبعاد انحناءه.
يوضح هذا الإطار النظري الجديد لوظيفة الدماغ في هذا الكتاب، كيف أنه يلقي الضوء على الخصائص الوظيفيَّة للدماغ الطبيعي وأعراض اختلال وظيفته (التعبير السريري عن الأمراض) التي لوحظت في بعض الاضطرابات العصبيَّة والنفسيَّة وفي حالات الوعي المتغير.
أساسيات نظريَّة النسبيَّة
يتناول النصف الأول من الكتاب أساسيات نظريَّة النسبيَّة وصلتها بعلم الكونيات.
على وجه الخصوص الثابت الكوني الذي أضافه أينشتاين في العام 1917 في معادلته للنسبيَّة العامَّة لتكون متوافقة مع كون ثابت - في ذلك الوقت، كانت هذه هي الحالة المفترضة
للكون.
في عشرينيات القرن الماضي، عندما اكتشف هابل أنَّ الكون يتوسع، أعرب أينشتاين عن أسفه لإدخال هذه القيمة وإزالها من معادلته في العام 1931، واصفًا هذا الثابت بأنه "أكبر خطأ فادح في حياته".
بعد خطأ ديكارت وخطأ غاليليو، وخطأ أينشتاين. على عكس أخطاء ديكارت وغاليليو، والذي هو في الواقع مجرد إعادة تفسير لرؤى هؤلاء العمالقة في سياق علوم الأعصاب الحاليَّة، فإنَّ خطأ أينشتاين يشير مباشرة إلى مؤلفه وإلى ثابته الكوني الذي عاش قصة لا تصدق، ومن المفارقات، أنَّ الثابت الكوني ظهر مرة أخرى في الستينيات، ثم في العام 1998 على وجه الخصوص كعنصرٍ أساسٍ في علم الكونيات لتفسير حقيقة أنَّ تمدد الكون يتسارع، ويرتبط هذا الثابت بوجود الطاقة المظلمة في الكون الذي لا نعرف شيئًا عنها والتي تشكل 70 ٪ من محتواه.
بالنسبة لهذه الاكتشافات، حصل كل من سول بيرلموتر Saul Perlmutter وبريان شمدت Brian Schmidt وآدم رايس Adam Riess على جائزة نوبل في الفيزياء في العام 2011.
وهكذا يظل معنى الثابت الكوني لأينشتاين وخاصة قيمته موضوعًا ساخنًا في الفيزياء يمكن أنْ يمنحنا مفاتيح فهم الكون وقوانين الطبيعة ومصيرنا.
ومن هنا يمكن أنْ نرى كيف يمكن لهذا الثابت، خطأ أينشتاين، أنْ يتدخل في سعينا لفهم دماغنا: حيث يمكن للثابت الكوني الدماغي أنْ يمثل بالفعل التفاعلات بين زمكانيَّة دماغيَّة متعددة، أي بين أدمغتنا، وبالتالي تفاعلاتنا الاجتماعيَّة، في الزمان والمكان.
لذلك، سيتعين علينا العودة إلى علم الكونيات لفحص السيناريوهات الأكثر تقدمًا التي تشير إلى أنَّ كوننا سيكون أيضًا متعددًا.
الزمكان الدماغي النسبي
من خلال اتباع مسارات فيزياء الكون وبيولوجيا الدماغ التي ظهرت في فجر القرن العشرين، وحتى أحدث التطورات المعاصرة، يقودنا هذا الكتاب الفريد شيئًا فشيئًا إلى الزمكان الدماغي النسبي، وهو مفهوم ثوري وروث عن أينشتاين وولد من اندماج حقيقي بين علم الكونيات وعلم الأعصاب.
وبعيداً عن هذا المفهوم، يُلقي الكتاب ضوءًا جديدًا على عمل دماغنا، وعلاقاتنا مع الآخرين، ويعطينا وجهات نظر على نحو أفضل لفهم اضطراباته كالأمراض العقليَّة على سبيل المثال.
لينتهي بعرض للأدوات الكبيرة الموجودة تحت تصرفنا أو على وشك أنْ تكون تحت تصرفنا لغزو الكون وعقولنا ومصيرنا في النهاية.
يعدُّ الفصلان الأول والثاني كفصلين تمهيديين وهما يقدمان نظرة مبتكرة وغالبًا ما تكون معرفيَّة لمفاهيم الفيزياء الأساسيَّة وعلم الأعصاب التي ظهرت في بداية القرن العشرين: نسبيَّة الزمان والزمكان والخلايا العصبيَّة وتنظيم الدماغ التشريحي
الوظيفي.
ويوضح الفصلان 3 و 4 هذه المعرفة وتطورها منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، ويشيران إلى تطور المفاهيم، لفهم تلك التي تطرح في الفصلين 7 و 8. ويوضح الفصل 3 بشكلٍ خاصٍ كيف ظهر الثابت الكوني وكيف حذفه أينشتاين، واصفاً إياه بأنه أسوأ خطأ في حياته، على الرغم من أنَّ الآخرين قد أدركوا بالفعل
أهميته.
ويقدم الفصل 4 النتائج الأخيرة التي توصل إليها العلماء عن طريق التصوير العصبي، ولا سيما التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتصوير بالرنين المغناطيسي الموّزن بمعامل الانتشار، لاستكشاف ديناميات شبكة الدماغ العصبيَّة.
خصص الفصل الخامس بالكامل لعلم الكونيات المعاصر، فضلاً عن تقييم معرفتنا الحاليَّة بالكون، موضحاً من خلال نتائج أحدث الأعمال حول المادة المظلمة والطاقة المظلمة، والانفجار العظيم والثقوب السوداء.
سيسمح لنا هذا الفصل برسم بدايات المفاهيم التي تأسست مؤخرًا والتي سيتناولها بمزيدٍ من التفصيل في الفصل 8، المخصص لكل من الدماغ والكون المادي، مثل مبدأ الصور المُجسَّمة أو الذواكر الهولوغرافيَّة وارتباطها بنظريَّة المعلومات.
زمكان شبكة الدماغ العصبيَّة
ينطوي تقديم وتطوير جوهر الكتاب، وهو زمكان شبكة الدماغ العصبيَّة، في الفصلين السابع والثامن.
إذ يوضح الفصل السابع، وهو بلا شك الأكثر ابتكارًا، كيف يمكن استخدام اشتقاق نظريَّة النسبيَّة الخاصة لدمج تشريح الدماغ ووظيفته في الشبكة العصبيَّة - مجموعة توصيلات الدماغ - وأيضًا كيف يمكن استعارة النسبيَّة العامَّة لوصف ديناميكيات زمكان الدماغ الذي ينحني بسبب نشاطه، سواء كان طبيعيًا أو مرضيًا (الانتباه،
الوعي).
يذهب الفصل الثامن إلى أبعد من ذلك بدمج مفاهيم من فيزياء الكون وعلم الكونيات وعلم الأعصاب.
يظهر الثابت الكوني، خطأ أينشتاين، هناك على أنه قادرٌ على تمثيل العلاقات المعرفيَّة والاجتماعيَّة بين الأفراد، وأمراض خلل الاتصال لديهم (الفصام،
التوحد).
إنَّ عمليات التبادل بين علم الأعصاب والفيزياء مستمرة، في اتجاه واحد كما في الاتجاه الآخر: وهذا ما يتناوله الفصل 8 " تعدد الأكوان " أو الأكوان المتعددة."
هنالك فصلان لهما مكان منفصل. الفصل 6 وهو فصل انتقالي يوضح كيف يشوه دماغنا المعلومات التي تدركها حواسنا، مما قد يؤدي إلى معرفة متحيزة ببيئتنا والعالم، وبالتالي لنماذجنا الماديَّة.
إنه يسلط الضوء على مفهومي الثنائيَّة والنسبيَّة، الشائعة اليوم في الفيزياء، لكنها ما زالت قليلة التطور في علم الأعصاب.
ويختتم الفصل التاسع بالتجارب واسعة النطاق الجاريَّة لاستكشاف وفهم عالمنا ودماغنا والتلسكوبات ومسرعات الجسيمات وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي العملاقة وفهمها بشكل أفضل.
إذا دعي القارئ لمقاربة الفصول بالترتيب، فيمكنه بالطبع أنْ يقرر قراءة فصول الفيزياء (1 و3 و5) على التوالي، ثم الفصلين 2 و4 المخصصين للدماغ، أو العكس، إذا فضل ذلك. . هذه الفصول موجودة لتحديث أو استكمال المعرفة التي قد تكون لدى القارئ، حتى لو لم يكن ذلك مطلوبًا. يبدأ جوهر الموضوع في الفصل
السادس.