{أحلام سعيدة}.. رسالة إنسانيَّة اجتماعيَّة كوميديَّة

الصفحة الاخيرة 2022/05/08
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
 
لا يتوافق الذوق الباريسي في العصر الحديث والمجتمع الشرقي يغرق في همومه كافة، إلا أنَّ الفنانة "يسرا" فرضت حضورها على جمهورها المتعطش لمتابعتها درامياً، والتأثر بشخصية فريدة المولعة بالحياة الفرنسية التي ورثتها عن والدتها، والعودة بنا بشكلٍ مبطنٍ الى حياة القصور والتحف الفنيَّة التي تعود الى ذلك العصر، والمزادات للشغوفين بالتحف والآثار الفرنسيَّة أو حتى القديمة جداً، والتي تعود في غالبها لفترة الأربعينيات من القرن العشرين، والصدى الواسع للغة الفرنسيَّة في عقل المصريين القدامى بعيداً عما ارتبط في الأذهان من طغيانٍ وفسادٍ في عصرٍ اتسم بالإنفاق على المظاهر والبذخ، كما تفعل فريدة التي تلعب دورها الفنانة القديرة يسرا في شخصية صاغتها الكاتبة هالة خليل مع شخصيات أحاطوا بها وأتموا لعبة التنوع الاجتماعي والهدف الدرامي، ليبثوا الروح الإيجابيَّة في شهر رمضاني بات يتمُّ تكريسه لسباق درامي أثبتت من خلاله الفنانة يسرا أنها أحسنت الاختيار، رغم خروجها من طبقة الفلاحين لتنتمي لطبقة الارستقراطيين المصريين المتأثريين بالفرنسيين في زمن الأربعينيات. عبر استطراد كوميدي دراماتيكي مشبع بوجهات النظر التي تعطي عدة انطباعات حسيَّة عن الصداقة وقيمتها، وقدرتها على التضحيات، عبر العديد من المواقف الإنسانيَّة التي تشكل نوعاً من مجازيات معقدة ومتعددة كموقف المحامي يحيى الذي يقوم بدوره نبيل نور الدين، حتى الأخت المدرسة التي تقدم الكثير من التنازلات من أجل العائلة والاستمرار في مفاهيم بناء العائلة الشرقية المتمسكة ببعضها، كتمسكها بأختها واهتمامها بتزويجها، والإصرار على هدف المرأة في بناء العائلة من خلال تذليل الصعوبات حتى وإنْ كان ذلك على حساب راحتها الشخصية.
فهل تتفوق الأذواق الأرستقراطية على ذوق الطبقتين الوسطى والدنيا في مسلسل أحلام سعيدة؟ أم أنَّ الذوق الفرنسي طغى على يسرا التي أتقنت دورها ومنحت المسلسل برمته متعة كوميديَّة ذات مغزى متنوع وزاخر بالتلميحات؟
أرستقراطية ورثت عن والدتها حب العادات الفرنسيَّة، وأيضاً اللهجة الفرنسيَّة مع الأغاني لأشهر المغنيات الفرنسيات، وكل ما من شأنه أنْ يمنحها شخصيَّة فريدة التي كانت تتمنى احتراف التمثيل، والقيام بالأدوار على مسرح فرنسي. إلا أنَّ يسرا فعلاً تقمصت دور فريدة، كما لو أنها متأثرة بالفرنسيين منذ أيام وجودهم في مصر، من اللباس الى ارستقراطية الذوق في كل شيء. وهي امرأة صعبة المراس جداً، وتفرض على من حولها نظامها الدقيق في كل شيء وما من أصدقاء لها قبل أنْ تُصاب فجأة بالعمى، وتدرك قيمة الأصدقاء في حياتها بعد صراعات عديدة مع ابنها آدم الذي خرج عن عادات والدته. ليبحث عن ذاته وفق قناعاته العصريَّة في الحب والزواج أو الأحرى الخروج عن العادات والتقاليد أو الأعراف التي ما لبث أنْ عاد إليها نوعاً ما عندما علم أنَّ شريكته في السكن هي حامل.
فهل تمسكت الكاتبة هالة خليل بالأعراف والتقاليد الاجتماعيَّة التي انتفض عليها جيل آدم وحبيبته في السكن؟ أم أنها قدمت مشكلات العصر الحديث عبر شخصيات كلاسيكيَّة متمسكة بزمن الماضي؟ وهل شيرين التي تقوم بدورها الفنانة غادة عادل تمثل المرأة الأربعينيَّة التي تخاف المواجهة ولا تميل الى الزواج التقليدي إلا أنها ترضخ لأختها التي تخاف عليها من العنوسة؟ أم أنَّ الرجل يخاف أيضاً من المرأة وجرأتها كما فعل تامر هجرس في دور طارق المتردد في الزواج من شيرين بعد أنْ أعجبت به ورفضها؟ وهل واكبت الموسيقى التصويريَّة شغف فريدة بالموسيقى الفرنسيَّة أو العزف على البيانو؟
سيدات جمعتهن المعاناة الأسرية أو الشخصيَّة في دراما تشويقيَّة لا تخلو من نظريات اجتماعيَّة في قالب كوميدي هادف اجتماعياً، وبرؤية تعيد الذاكرة الى الوجود الفرنسي في مصر، والتأثر بذلك بدا في شخصيَّة يسرى وجماليَّة الطابع الأرستقراطي الفرنسي في عاداتها وممارساتها اليوميَّة، وفي حكاية الأم التي يقرأها الفنان عماد رشاد الذي يقوم بدور "صالح توفيق الحمامصي" الوريث لثروة الباشا والده، والمتشاجر مع أخته التي اتهمته بالقتل. ليتخذ صراع الأخوة نوعاً من الكيديَّة التي يجب التأكد منها قبل رمي الآخرين بالتهم جزافاً خاصَّة الأخوة في ما بينهم. وهي العصبيَّة التي اعترفت في جلستها مع الأصدقاء بذلك، وعن النساء اللواتي وقفن الى جانبها ولم تكن لتتعرف إليهن لو لم تصب بالعمى؟
فهل نرى حقائق الأشياء عندما نفقد شيئاً ما من حواسنا؟ وهل نحتاج فعلياً الى التواصل الاجتماعي الحقيقي وللأصدقاء في زمن التواصل الافتراضي؟ أم أنَّ كل ذلك أحلامٌ سعيدة نكتشف من خلالها الماضي والحاضر والمستقبل بأسلوبٍ كوميدي اجتماعي؟
هشام إسماعيل في دور أنسي الرجل العاطل عن العمل الذي ينتفض على زوجته نيفين التي تقوم بدورها المميزة انتصار، بعد أنْ قدم لها الكثير من المساعدة المنزليَّة لتتمرد هي وتتركه مع الأولاد لتعود الى بيت أختها في جدليَّة برزت من خلالها مشكلات المرأة العاملة وربة الأسرة عندما يكون زوجها عاطلاً عن العمل. وصدفة أو شيماء سيف ودورها الكوميدي الذي جمعها مع يسرا ومع محمد أوتاكا أو رجب بواب العمارة، ونكهة الضحكة الشعبيَّة التي أعادتنا الى الطبقة الأقرب للقلب والعفويَّة في محبتها للناس وإخلاصها ووفائها، ما منح أحلام سعيدة نكهة كوميديَّة إضافيَّة ذات نظرة اجتماعية والأهم إنسانيَّة أولاً وأخيراً.
وبهذا نجحت يسرا في اختيارها للنص لتحمل رسالة إنسانيَّة اجتماعيَّة كوميديَّة تنوعت فيها القيم والمفاهيم ما بين الطبقات كافة. فهل المخرج عمرو سلامة هو الذي أمسك بالنص وقدمه إخراجياً ببساطة السهل الممتنع؟ أم أنَّ يسرا هي التي نجحت في منح النص رونقاً مختلفاً؟