غفران حداد

 

يعدُّ محمد خان أحد أهم المخرجين الذين أثروا السينما العربيَّة بأفلامٍ تميّزت بالواقعيَّة والتي عبَّرَ فيها عن هموم المرأة والكادحين والمهمشين البسطاء بأسلوبٍ بسيطٍ سلسٍ يرتكز على الموسيقى التصويريَّة، وتحضر في أعماله معاني الرومانسيَّة وإبراز حالة الصراع الإنساني وبث صور ومشاهد وشخصيات متنوعة في عواطفها وأوجاعها وملامحها ونجح في إبراز لغة الصورة وتوظيف الحوار الصامت.

محمد خان (1942 - 2016) من المخرجين السينمائيين أصحاب الأعمال الجادَّة التي حملت ملامح سينما جديدة في وقت انتشار أفلام المقاولات والأعمال التجاريَّة التي انتشرت في حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم، ونلاحظ ذلك في عدة أعمالٍ له مثل "موعد على العشاء" (1981)، و"الحريف" (1984) و"زوجة رجل مهم" (1987).

بدأ خان مسيرته في السينما بفيلم "ضربة شمس" (1980)، بطولة نور الشريف، نورا، قصة محمد خان وسيناريو وحوار فايز غالي، يعدُّ الفيلم من الأفلام البوليسيَّة التي اعتمد فيها خان على عنصري التشويق والإثارة وإبراز الصراع بين قوى الخير والشر واهتمَّ خان في أفلامه اللاحقة بتقديم ملامح شخصيات تعبّر عن حاجتها للحب والرومانسيَّة والاستقرار العاطفي من أجل استمراريَّة الحياة، وبدت هذه الملامح في فيلم "طائر على الطريق" (1981)، و"خرج ولم يعد" (1984) و"في شقة مصر الجديدة" (2007) وأيضاً "قبل زحمة الصيف" (2015).

 

عاشق الأمكنة

عشق محمد خان لشوارع القاهرة وميادينها وتحركات ناسها وللطبيعة البسيطة التي تحملها القرى الريفيَّة كان إلهاماً للسينما التي نجح في تقديمها ومعظم أفلامه شكّلت جدليَّة فنيَّة بين المدينة والبلدة وعلاقة أبطال أعماله بالمكان وإبراز تفاصيل حياتهم اليوميَّة، ففي "خرج ولم يعد" حاول عطيَّة (يحيى الفخراني) الخروج من المدينة إلى الريف بعد شعوره بظلم المدينة له وهو الموظف البسيط في أرشيف إحدى الوزارات وحلم حياته أنْ يصبح مديرها العام وبسبب أزمة الإسكان وهو الذي يعيش في منزلٍ آيلٍ للسقوط ليقرر الذهاب إلى القرية ليبيع قطعة أرض يملكها لاستكمال تكاليف زواجه ليتعرف خلال مكوثه في الريف على كمال بيك (فريد شوقي) وابنته خيريَّة (ليلى علوي) اللذين يغريانه بالسكن في الريف والاستقرار في القرية ليقرر عطيَّة ترك المدينة التي اعتاد العيش فيها والعيش في الريف إلى جانب خيريَّة التي وجد نفسه مغرماً بها.

نجاح الفيلم جعله ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصريَّة لتنضم ثلاثة أفلام أخرى لمحمد خان ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما وهي "زوجة رجل مهم","أحلام هند وكاميليا"، "سوبر ماركت".

وكلها أفلامٌ تميزت بفلسفة خان الخاصَّة ونقلت صورة لواقع الشباب المهمشين وحكايات الحواري الشعبيَّة المصريَّة في أدق ملامحها وتفاصيلها، وهذا ما جعل تجربة محمد خان السينمائيَّة مختلفة عن بعص المخرجين من أبناء جيله أمثال خيري بشارة، عاطف الطيّب، يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وغيرهم.

 

المرأة في أفلامه

للمرأة حضورٌ لافتٌ في أفلام خان وأعطى مساحة كبيرة في إبراز الضوء على جميع تفاصيل حالاتها من معاناة الزوجة المقهورة كما في شخصيَّة نوال (سعاد حسني) في "موعد على العشاء" 1987، التي تعاني من إهمال وقسوة معاملة زوجها، وشخصيَّة هالة (هنا شيحة) في "قبل زحمة الصيف" 2015، العمل يعرض بعضاً من جوانب حياة المطلقات، أيضاً منى (ميرفت أمين) في "زوجة رجل مهم" 1987، المرأة الحالمة بالحب والحياة الرومانسيَّة وهي تنصدم في حياتها مع ضابط الشرطة هشام (أحمد زكي) القاسي، العنيف، في معاملتها، ومن "زوجة رجل مهم" يتجه خان لتجربة "قي شقة مصر الجديدة" 2007 تأليف وسام سليمان، فنجوى (غادة عادل) فتاة صعيديَّة رومانسيَّة تبحث عن معلمتها تهاني وخلال البحث تواجه يحيى (خالد ابو النجا) الذي تقع في غرامه لكنه رجلٌ ماديٌّ لا يفهم أو يتكلم سوى بلغة المال والأرقام والبورصة، أيضاً المرأة محور الحدث الدرامي في فيلم "الغرقانة" تأليف حسن شاه، مصطفى محرم، نجد وردة (نبيلة عبيد) التي مات ثلاثة من أزواجها ليتهمها الناس بأنها امرأة شؤم ونحس على كل رجل ترتبط به فتقرر وردة اللجوء الى مشعوذ القرية الذي يقنعها بالزواج منه لتطهيرها من هذا النحس فتوافق فيعمُّ الجهل والشعوذة سكان القرية.

محمد خان مسيرة طويلة مليئة بالعطاء، ولا عجب أنْ يكون أحد مخرجي رواد الواقعيَّة وأفلامه حُفرت في ذاكرة المشاهد المصري والعربي ونالت العديد من الجوائز في عدة مهرجانات منها جائزة تقديريَّة ذهبيَّة عن فيلم "ضربة شمس" من مهرجان الإسكندريَّة السينمائي الدولي، جائزة أفضل إخراج عن "الحريف" من جمعيَّة الفيلم 1985 وجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي 2007 عن "في شقة مصر الجديدة" وأشرف على مشاريع طلبة ومخرجين من العراق وقطر والإمارات.