ثقافة المتاحف المفقودة

منصة 2022/05/10
...

 هدى عبد الحر 
 
الإحساس بالجمال والتمتّع به والانجذاب نحوه والميل إليه أمرٌ فطريٌّ مُندكٌّ في أعماق النفس البشريَّة، فالإنسان يبتعدُ غريزياً عن مظاهر القبح بأشكالها ومظاهرها كلّها ويتقرّب للجميل والمتناغم والأنيق والدقيق، ومن أهم موارد تدريب النفس على الجمال الراقي هو تدريب العين على رؤية الأشياء الجميلة وتأملها ففيه تهذيبٌ للمشاعر وتقويمٌ للسلوك وسموٌ بالذوق العام والخاص، لأنّه كلما ارتفع منسوب الإحساس بالجمال لدى الفرد ووعى القيم الجماليَّة وعرف أهميتها، كلما تقدّم المجتمع وارتقت إنسانيته وابتعد عن العنف والجهل.
ومن أهم أماكن تدريب العين وترويضها على حبّ الجمال الراقي والمعرفة الحقيقيَّة هي المتاحف، بأنواعها كافة فهي واحدة من أهم الأمكنة التي تروض الذوق وأكثرها أثراً في تطوير ونشر الثقافة العامَّة وتعزيز الأفكار المبدعة وترسيخ هوية الفرد الوطنيَّة، إذ تغرس تأريخ البلد في ذهن أبنائه لذا يجب أنْ تكون زيارات المتاحف ضمن المناهج التربويَّة المفروضة في المدارس والمعاهد والجامعات لما فيها من إذكاءٍ للقدرات الإبداعيَّة والفكريَّة للطلبة فهي تزيد الثقة بمستقبلهم وتعمّق نظرتهم نحو تأريخهم، فضلاً عن كونها مراكز ترفيهيَّة يمكن أنْ تنعشَ السياحة الداخليَّة وتكون مورداً مهماً من موارد البلد الماديَّة والمعنويَّة في آنٍ واحد.
ومن نافل القول التذكير بأنَّ متاحف عالميَّة شهيرة مثل (اللوفر) و(متحف الفن الحديث) و(المتحف المصري الكبير) وغيرها هي علامات لبلدانها، ففضلاً عن شهرتها العالميَّة والسياحيَّة هي موردٌ لا يقدّر بثمن لاقتصاد هذه البلدان بل لعلَّ شهرتها تفوق شهرة مدن البلاد كلها.
واليوم في ظل التشتّت الثقافي الكبير الذي تعيشه الأجيال الجديدة وفقر التوجهات المعرفيَّة الحقيقيَّة لديهم تظهر الحاجة الملحة إلى المتاحف، فقد أسهمت (السوشيال ميديا) باضطرابها وعشوائيتها في خلق أجيال بلا هويَّة تبتعد كل يوم عن محليتها وتراثها وتتهجّن هويتها وتتشكّل بطريقة مشوَّهة لذا تشكّل المتاحف مراكز تأهيل وتعديل لهذه الهوية.
ومن الجدير بالقول إنَّ أغلب مدن العالم تتسابق في إقامة هذه المتاحف ولا يقتصر الأمر على المتاحف التقليديَّة التي نعرفها ونتوقع ما تعرضه بل تشمل كل جوانب الحياة فيمكن أنْ يكون هناك متاحف لكل شيء.. متحف للتاريخ البحري ومتحف للطوابع ومتحف لوسائل الإنتاج القديمة ومتحف لأدوات السينما. هذا فضلاً عن المتاحف الخاصَّة التي تقام في بيوت الشخصيات الأدبيَّة والسياسيَّة الشهيرة التي تضمُّ عادة مقتنياتهم مثل متحف شكسبير ومتحف جان جاك روسو.