أحمد عبد الحسين
اسمحوا لي. أريد لعمودي اليوم أن يكون ـ على غير العادة ـ طائفياً.
أتى ساسة الشيعة، بأعمّهم الأغلب، إلى السياسة وفي خواطرهم كما في شعاراتهم المعلنة مظلومية طائفتهم، فحوّلوا الملعب إلى حلبة صراع على المال كانوا فيه هم الفائزين وأبناء طائفتهم الأخسرين. لكنهم مع كلّ أزمةٍ يتذكرون ـ فجأة ـ أن لهم طائفة ويتذكرون ويا للعجب أنهم حرّاس هذه الطائفة.
اللعبة كانت مبكية فصارت مضحكة، واليوم لا ضحك ولا بكاء.
كان أنين المظلوميّة يشجينا ويبكينا، أيام كنّا نقدر على الشجو والبكاء، بعد سنوات صار الأنين يثير الريبة والشكّ فينا، ثم مرت سنوات أخرى فصار يضحكنا ويسلّينا، وما زال الأنينُ متواصلاً لكنه الآن لا يُضحك ولا يبكي، بل يثير الغضب والنقمة والحقد في النفوس.
يقول قائلهم إنّكم يا شيعةُ دفعتم ضريبة حبّكم للحسين منذ تأسيس الدولة إهمالاً ونهب ثروات وانعدام خدمات، فيبكي الباكون منّا ويضجّ الضاجّون، ثم يقول :إنّ الإهمال تضاعف الآن عليكم أضعافاً مضاعفة وللسبب الآنف الذكر، أيْ بسبب حبكم للحسين. طبيعيّ أن ينقلب البكاء ضحكاً ثم يغدو غضباً؛، وإلا لمَ يكون حبُّ الحسين "صلوات الله عليه" جحيماً على عامة الناس ونعيماً على مائتي شخص هم وعوائلهم؟ لمَ حبُّ الحسين يتجسد هنا فقراً وبطالة وسرطاناً وانتحارات، ويتجسد هناك أموالاً وقصوراً ويخوتاً وحسابات مصرفية وليالي حمراء؟ لمَ كانت "المظلوميّة" قَدراً لا فكاك منه أمس واليوم، ولمَ صارتْ هذه المظلومية نفسها نافعة لفئة قليلة دون سائر "المظلومين"؟
كلنا يعلم أن هذه الأسئلة تُطرح علانية في الوسط والجنوب وبصوتٍ صارخ منذ سنوات، وهي إذا كُبتتْ وقمعتْ فسوف تخرج على هيئة مرعبة وتباغت الجميع من حيث لا يحتسبون. لكنّ قلة يعلمون أن البقاء ـ في العمل الإنسانيّ ـ ليس للأذكى ولا للأقوى ولا للأكثر سلاحاً، بل للأنفع، بالنصّ القرانيّ.. "فأما الزبدُ فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..".
وهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم سدنةً للمظلومية الأبدية، هم الزبدُ الذي لن تبقى منه باقية، لأنهم لم ينفعوا الناس بل لم يفكروا بهم لحظة واحدة. كلّ ما فعلوه أنهم وجدوا مظلومية تفتك بأهليهم فأداموها عليهم، وحوّلوا عذاباتهم وبكاءهم وأمراضهم إلى مسكوكات وأموال.
الظلم ظلمات. وأشدّ من ظلم الظالمين أن تكون ظالماً باسم المظلوميّة.