علي حمود الحسن
انهمكت قبل أيام بإعداد حلقة تلفزيونية عن الفيلم الإيراني "انفصال"، الذي شاهدته أكثر من مرة بمتعة وشغف، متعجباً من قدرة مخرجه أصغر فرهادي على بناء سيناريو قصصه التي يكتبها بنفسه، بأسلوب لا يضاهى في مبناه السردي على الرغم من بساطة الموضوع وفقر الميزانية ومحدودية هامش حرية التناول، هذه المحددات حولها فرهادي إلى صالحه، فخطفت أفلامه أكثر من ثلاثين جائزة معتبرة من بينها: الأوسكار، وسعفة كان الذهبية، فضلاً عن دببة برلين الأنيقة.
فرهادي المولود في العام 1972، مخرج سينمائي وكاتب ومنتج إيراني، شغف بالسينما مبكراً، ثم درسها في كلية الفنون الجميلة بطهران، وحصل على الماجستير فيها، ليس هذا فحسب، إنما عمل في المسرح وعرف خفاياه، فأخرج العديد من المسرحيات، قبل اشتغاله في السينما، التي ستلقي بظلالها على أفلامه فيما بعد.
يعد صاحب فيلم "مدينة جميلة" واحداً من أهم المخرجين الإيرانيين، الذي أوصل سينما بلده إلى المحافل السينمائية الرفيعة، فهو مخرج مبتكر، ليس كلاسيكياً ولا حداثوياً تجريبياً، إنما يجمع بين الاثنين، ولديه مشكلات مع الرقابة، لكنه غالباً ما يتجاوزها بذكاء، حتى إن ناقدة فصيحة قالت عنه: "شيء ما سينقص السينما اليوم.. لولا أصغر فرهادي"، أشهر أفلامه "البائع"(2016)، و"الماضـــــــــــــــي"(2013)، و"البطل"(2021)، و"عــــــــــن يلي"(2009)، و"الكل يعرف" (2018).
يتجسد أسلوب فرهادي ورؤيته السينمائية المتقدمة في فيلم "انفصال" (2011) ليس لكونه حصل على أوسكار وثلاث جوائز من برلين في سابقة، إنما لفرادة التناول، فمنذ اللحظات الأولى يشركنا فرهادي في أتون محنة أسرة نادر وسيمين البرجوازية، إذ يتوالى ظهور أسماء فريق العمل، بينما يمسح جهاز "السكنر" وثائق الأسرة، يواجه الزوجان القاضي الذي لا نراه، إنما نسمع صوته، فنحن ننظر إلى الأحداث من وجهة نظر ذاتية، تصر سيمين على الطلاق إن لم يطاوعها زوجها على السفر، لكن الزوج يناقشها بمنطق إنساني راقٍ بأنه لا يستطيع ترك أبيه الخرف، وإن كان الثمن السفر إلى فراديس الغرب، لم تكن أجوبتها مقنعة، فهي لا تريد لابنتها العيش في مجتمع لا يلبي احتياجاتها، تراقب الكاميرا الشخصيات من دون فذلكة، تصور غضب ونقاش زوجين محبين، أحدهما متمسك بقيم اجتماعية مقدسة، فهو لا يريد أن يتخلى عن والده وإن كان لا يعرفه لخرفه، وهي أكملت إجراءات السفر وتريد أن تلحق بحلمها، بضعة دقائق أدخلنا فيها هذا الحكواتي الفريد في أصل المشكلة، ليمسك بتلاليبنا حتى نهاية الفيلم من خلال مفاجآت وخطوط سردية وتحولات في عملية الحكي، هذه الكلمات تحية وإن كانت مكررة "لمعلم" سينما قل نظيره.