{صلاة للمفقودات}.. محنة النساء في حرب المكسيك على المخدرات

الصفحة الاخيرة 2022/05/16
...

  ترجمة: نجاح الجبيلي 
شهدت المكسيك أكثر من ثمانين ألف حالة اختفاء منذ أن أعلن الرئيس السابق فيليبي كالديرون الحرب على عصابات المخدرات في عام 2006، وكان ربع المفقودين من النساء – غالبيتهن من الفتيات المراهقات- وتدور أحداث الفيلم الروائي الأول للمخرجة المكسيكية-السلفادورية تاتيانا هويزو "صلاة من أجل المسروقات" وسط هذا الكابوس الوطني، إذ يصور المخاطر والمخاوف العميقة التي عانت منها الأسر منذ فترة طويلة.
 
 يُروى فيلم "هويزو" من خلال منظور ثلاث فتيات أثناء نشأتهن في بلدة ريفية في جبال "غريرو"، إذ يتضمن نظرة غامضة ورائعة لما يشعرن به عند بلوغهن سن الرشد في مكان تكون فيه الشابات هدفاً للاضطهاد، وحيث يكون الكبار ضعفاء مثل الأطفال، بصفتها مخرجة أفلام وثائقية، انغمست "هويزو" في مجتمعي المكسيك وموطنها الأصلي السلفادور لإظهار العواقب الإنسانية للحروب التي لا نهاية لها على ما يبدو في هذين البلدين، يقدم لنا "صلاة من أجل المسروقات" ثلاث فتيات يبلغن من العمر ثماني سنوات عندما يشاهدن الحشرات في الغابة بحماس، ولكن هذه المقدمة تنتهي بشكل مفاجئ، فهناك ثعبان في العشب، يبدو أنه من النوع السام. تكمن الأخطار في كل مكان لآنا (آنا كريستينا أوردونيز غونزاليث، التي تضفي إحساساً رائعاً بالنضج في دورها الأول) وصديقتيها المقربتين، لكن هذا لا يمنعهن من المرح في بيئتهن المهددة.
في وقت مبكر من الفيلم، تجبرها والدتها ريتا (التي لعبت دورها بإحساس ملموس بالمعاناة والإرهاق العاطفي مايرا باتالا) على حفر حفرة كبيرة بما يكفي لتناسب ابنتها آنا، في حال احتاجت إلى الاختباء من العصابات أو الفاسدين من الشرطة التي قد تتعاون مع العصابات، يبدو أن القرية بأكملها تحفر قبرها؛ إذ يعتمد اقتصادها على استخراج الموارد الطبيعية من قمم الجبال التي تتلاشى بسرعة، وكذلك من نباتات الخشخاش، التي يتم جمع نسغها البني السميك لتغذية تجارة المخدرات الفتاكة، تترك المخرجة "هويزو" القصة تتكشف ببطء، وترويها من خلال سلسلة من المشاهد الصغيرة التي تضيف ما يصل إلى ذروة مروعة، نتعاطف مع آنا وصديقاتها لأننا أيضاً نحاول تجميع كل الحقائق معاً في محاولة لفهم ما يحدث في هذه القرية؛ هناك جوٌّ قوي من الغموض يُبقي عالم البالغين بعيد المنال، مثل بطلات روايات إيلينا فيرانتي، تتوق شخصيات الفيلم الأنثوية إلى أن تكون جزءاً من هذا العالم، سواء كان ذلك من خلال وضع المكياج ومغازلة الأولاد، أو معرفة الأسباب الحقيقية وراء اختفاء الفتيات أو موتهن، بدلاً من ذلك يُجبرن على قص شعرهن مثل الأولاد (لمنع القمل، كما تقول أمهاتهن)، كما لو أن كونك امرأة يكاد يكون جريمة، لم يتم توضيح ذلك مطلقاً، لكن هؤلاء الأمهات يحاولن منع بناتهن من الوقوع ضحايا للإتجار بالجنس عن طريق إخفاء أي علامات ظاهرة على الأنوثة.
في منتصف الفيلم، تظهر الفتيات الثلاث في سن المراهقة، مع ثلاث ممثلات مختلفات يؤدين الأدوار، بحثت "هويزو" عن هؤلاء الممثلات الستة على مدار عام، واختبرت حوالي 800 فتاة من المناطق الريفية في المكسيك، وجميعهن لم يجربن التمثيل، خضعت الفتيات لتدريب احترافي في التمثيل على مدى ثلاثة أشهر وعشنَ معاً لأسابيع، وأسفرت العملية عن نتائج متنوعة، غونزاليث ذات موهبة رائعة، تضفي مجموعة متنوعة وصادقة من المشاعر الخام على شخصيتها وهي تتنقل عبر التحديات التي تحيط بها، في حين أن بعض المشاهد يمكن أن تتجاوز القمة - وهي اللحظة التي تمسح فيها آنا كوباً ترمي به والدتها في حالة سكر على الحائط وكأنها تلفت نظر المشاهدين من أجل التعاطف- تحافظ غونزاليث على جو من الدقة، ما يسمح لها بالتعبير عن الذهول والقلق لنقل المزيد مما يمكن أن يفعله أي تمثيل مسرحي طنّان، وفي الوقت نفسه، فإن التزام "هويزو" بالحفاظ على تناسق مظهر الفتيات مع تقدمهن في العمر أمر مثير للإعجاب، لكنه في النهاية خيار مُشتِّت للانتباه، إذ يشعر المشاهد بأنه قسري وغير ضروري، كما لو أن العثور على فتاة تشبه آنا الصغيرة كان أكثر أهمية من العثور على أفضل ممثلة متاحة..
ذهبت المخرجة إلى أبعد من ذلك من أجل إنشاء خريطة مطاطية على وجه آنا الأقدم (ماريا ميمبرينو) لمطابقة شامات ونمش غونزاليث، ما يمنحها نوعاً من جودة CGI )الصورة المولّدة بالكومبيوتر) التي تبتعد عن حبيبات البيئة السينمائية، غالباً ما يكون اختيار الممثلين في مراحل مختلفة أمراً محرجاً، ولكن يمكن القول إن محاولة إخفاء هذه الاختلافات تكون أسوأ، يكون فيلم "هويزو" في أفضل حالاته عندما يهبط بشكل دوري على صورة بصرية مذهلة تلخص المجتمع دون كلمات: بحر من شاشات الهواتف المحمولة يتوهج على جبل عند الغسق حيث تحاول نساء المدينة العثور على خدمة للاتصال بأسرهنَّ، بما في ذلك والد آنا في أميركا (الذي لا يرسل المال ولا يرد على الهاتف أبداً)، أو الخطوط العريضة لجسم يتلوى تحت ملاءة مثبتة بإحكام بسرير في غرفة مغمورة بالضوء الوردي، مكان للاختباء أثناء لعبة الغميضة. تلتقط مديرة التصوير دارييلا لودلو تعقيد هذه اللحظات بحساسية، وترسم صورة لمجتمع على وشك الانهيار، يسلط فيلم "صلاة من أجل المسروقات" الضوء الضروري على عواقب حرب المكسيك على المخدرات، وبشكل خاص على محنة النساء والفتيات في البلاد.
على الرغم من أنّ "هويزو" تستفيد من الحفاظ على المزيد من الطبيعية من عملها الوثائقي بدلاً من المؤثرات الخاصة وحيل الماكياج لعالم الأفلام الروائية، إلاّ أنّ أول تجربة لها في مجال الفيلم الروائي يصحبها إلقاء نظرة قوية على جزء من المكسيك ربما يكون من الأفضل فهمه من خلال عيون الفتيات الصغيرات، حيث تكمن أكبر التهديدات في الأسئلة التي يرفض آباؤهن الإجابة عليها.
راجعته: سوزانا غرودر/
 موقع أندي واير