الدراما العراقيَّة بين قلّة الإنتاج وكثرة المبدعين

الصفحة الاخيرة 2022/05/22
...

  عمـّار عبد الخالق
تظل الدراما العراقيَّة نصب عين المشاهد العراقي، فهي ابنة المجتمع وناشئة عنه، وهي في رهانها المستمر لتتدفق أكثر، ولتواكب الدراما في البلدان الأخرى، كالمصريَّة والسوريَّة، وبعد انتقادات طالتها في السنين السابقة، بدأت تأخذ منحى مغايرا عما ألفناه سابقا، وبدأ الشباب، بأفكارهم الجديدة، يثرون المشهد، ويحجزون لهم مواقع بين الكبار. 
وما أن جاء رمضان حتى بدأت التصريحات حول الدراما العراقية، بين رافضٍ لها وقابلٍ بها، ولتكونَ الرؤى متقاطعةً في ما بينها. 
لكنّ يظلُّ للمشاهد المختصّ الرأي الأسلم دائمًا، وهذه السنة مثل سابقاتها، كانت للمختصين تقييماتٌ وتصويباتٌ لهذه الدراما. 
 
تعطيلٌ
يوضح الفنان غانم حميد رأيه بهذا الخصوص حيث قال: لم تتميّز الدراما العراقيّة، هذا العام، بالموضوعات التي طرحتها، وبالمعالجات المتخلفة التي أدارت بها موضوعات قد لا تمت بصلة إلى المعطى من المشكلات المتأزمة، في الواقع العراقي المختلف في تعامله مع قضايا كثيرة ساخنة كالإرهاب، وفشل العملية السياسية واسقاطاتها على الواقع الاجتماعي العراقي، وبناء الإنسان المأخوذ بالديمقراطية العرجاء، التي لم تأتِ على المحيط الذي نعيش فيه إلا بالفشل، وهروب الكفاءات، وعطل صناعة وبناء الحياة الجديدة. 
 
فخ
أشار حميد إلى أن "الدراما تعكزت على موضوعات، بعضها يحاول أن يحاكي الواقع السياسي؛ لكنه فشل في أصول الصنعة بحجة الإتيان بالجديد غير الناضج، والعمل على إثراء عين التلقي بالمختلف، حتى إذا كان ذلك قد عمل خللاً واضحاً في آلية البناء الدراميّ، والكيفية التي تبنى بها الشخصية الدراميَّة، وانسحب ذلك أيضًا على التعامل التقني في كتابة وإنجاز الحلقة التلفزيونية الدرامية. 
وبيين حميد، وفي محطات أخرى، كصناعة فن الكوميديا؛ سقطت الأعمال الكوميدية بفخ (الاسكيتش)، الذي لا تطول مدته على دقائق معدودة، وبحالة سيئة الصنع، حتى بدت طبخة غير ناضجة ولا تسرُّ ولا تُضحك، بل يُسخر من بلادتها وسرعة تصنيعها.
يكمل حميد "قد تكون هناك تجربة واحدة، حاولت أن تستكمل أدواتها الدرامية، وتعبر برّ الأمان بنجاحٍ معقول، ألا وهي تجربة مسلسل (بنات صالح)، والذي استطاع إلى حدٍ ما السيطرة على التلقي العراقي بشيءٍ من الحفاوة والاهتمام. 
 
سباقٌ ومنافسة
أما الفنَان والأكاديمي البروفيسور حسين علي هارف كان قد أشاد بهذا العام، قائلًا: الدراما الرمضانيَّة العراقيَّة تحسنت نسبياً، فمع كل الملاحظات ونقاط الضعف التي تمَّ تأشيرها، من قبل الجمهور وسبقهم النقاد والفنانون المختصون، فقد كان مفرحا أن يتمَّ تقديمُ عددٍ معقولٍ من المسلسلات والبرامج التمثيليَّة في ظل غياب القناة الحكوميَّة الرئيسة عن سباق الدراما الرمضانيَّة هذا الموسم. 
وأضاف هارف "نعم، كانت الأعمال عامة تعاني من غياب الدقة الفنية والتاريخية في بعض التفاصيل، التي تم رصدها من قبل الجمهور المتابع والتي تتعلق بالأحداث والأمكنة والأزياء، كما أن الحوارّ كان يشوبه شيءٌ من الهجنة وعدم اتساقه مع الحدث أو الشخصية، فضلا عن الوقوع في الافتعال وفبركة الموقف والحدث بطريقة ميلودراميَّة تحاول استدرار عواطف المشاهدين.
مؤكداً "ومع كل هذه الملاحظات، كان مفرحاً أنْ نشهدَ تقديمَ عددٍ كبيرٍ من الوجوه الواعدة، لا سيما من الممثلات الشابات اللواتي قدمْنَ أداءً مميزاً وحضوراً لافتاً، كما حقق بعض الممثلين تطوراً ملحوظاً في أدائهم التلفزيوني، بعد التخلص من تأثيرات وقوالب الأداء المسرحي. 
 
تقليدي ومكرر
وعن الكوميديا في رمضان، قال رهيف: الدراما الكوميديَّة ما زالت تجتر نفسها وقوالبها ومشاهدها المسطحة، وتتعكز كثيرا على نكات ومواقف فيسبوكيّة مستهلكة، ما زلنا بحاجة إلى كتّاب سيناريو أكثر حنكة وخبرة في كتابة سيناريوهات متقنة ورصينة ومقنعة في بناء أحداثها وشخصياتها وحواراتها ونهاياتها. 
يكمل رهيف "هناك تطور ملحوظ على مستوى التصوير والإخراج والإيقاع العام، مع وجود ملاحظات فنيَّة محدودة، ربما لا تثير انتباه من ليس مختصا، ومع كل ما يمكن تثبيته من ملاحظات وانتقادات، فالدراما العراقيَّة بحاجةٍ ماسةٍ إلى الدعم والتشجيع والمساعدة في النهوض بها، لترتقي إلى المستويات الفنية التي حققتها وتحققها الدراما المصريَّة والسوريّة.
 
أزماتٌ
أما الإعلامي والكاتب العراقي عصام كشيش، فقد قال: قبل سنة، كنت أظنُّ أنَّ مشكلة الدراما العراقيَّة في الإنتاج، لكن تبيّن أنها ليست أزمة إنتاج، وإنما هناك أزمة إخراج، وأزمة كتابة نص.
وأشار كشيش الى أن الممثلين الشباب في هذا العام هم طاقات واعدة وأثبتوا حضورا، لكن ليس كحضورهم العام الماضي. 
وتابع، أهم مسلسلين كما هو معروف في الشارع هما "بنات صالح" و"الماس مكسور"، وكلا مخرجي العملين ليسا عراقيين، وهذا يبين مدى أزمة الإخراج العراقي. 
 
إمكانيات
أما الناقد العراقي كاظم السلوم قال: رغم غزارة الإنتاج الدرامي لهذا العام، واشتغال عددٍ كبيرٍ من الفنانين والفنانات فيه، وتعدد الموضوعات التي تناولتها هذه الأعمال، إلا أن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات، التي لا ذنب للممثلين فيها، فكما نعرف أن الإنتاج الدرامي لم يكن بهذه الغزارة لو لا وجود قنوات فضائية، ومنتجين لديهم الإمكانيات الماديَّة العالية، مثل قناة "mbc" عراق وقناة "utv".
وأضاف السلوم "هذا الأمرُ جعل هذه الجهاتِ تتحكمُ باختيار النصوص المراد تنفيذها، وكذلك المخرجون الذين ينفذون الأعمال الدراميَّة، وهو الأمر الذي جعل البعض يوجه انتقادات بعضها حادٌ أحيانا، خصوصًا للمخرجين غير العراقيين، الذين بدا واضحا عدم معرفتهم وفهمهم للبيئة العراقية. كذلك فإن أحد مخرجي الأعمال الدرامية قد سبب مللًا وإرباكًا للمشاهد؛ بسبب عدم استقرار كاميرته وتجربته لزوايا ولقطات لا تصلح للعمل الدرامي، بل تصلح للفديو كليبات.
وأضاف السلوم "أما النصوص، فكما قلتُ تخضع لسياسة ونهج القناة المنتجة، فجاء البعض منها بعيدًا عن الواقع والبيئة العراقيَّة خصوصًا في موضوعة الحوار، مع ذلك فإن الموسم الدرامي الحالي هو الأغزر وباشرة خير بتطور العمل الدرامي العراقي".
 
اجتهادُ الشباب
وختم الحديث الكاتب والمخرج ناصر طه ليقول "في الدراما العراقية، لرمضان هذا العام، يلاحظ فيها أن الكم انتصر على النوع، ولا شكَّ أن هذا الكم مطلوب، لأننا من خلال الكم والتواصل نفرز نوعا ما في المستقبل". 
وفي سؤال "الصباح" عن الفنانين الشباب، أجاب طه "حقق الشباب حضورا مهما، حتى على مستوى الرواد، كما في مسلسل "الدولة العميقة"، و"بنات صالح"، وفي "الماس مكسور" كذلك، وأعتقد أن غسان إسماعيل، ومرتضى حنيص حققا حضورًا لطيفا. 
مبيناً، أن الشباب كانوا سيحققون حضورا أكبر، لو أنهم وقعوا تحت إدارة إخراجيَّة جيدة، لأننا نلاحظ أنهم اجتهدوا على حدود معينة، وهو اجتهاد ناجح، وهذا ما افتقدته الدراما العراقيَّة هذا العام. 
وعن السيناريست قال طه: نحن بحاجة لكتابة النصوص، فلم تخرج نصوص هذا العام من الروح التقليدية. وأشار إلى أن "هناك أعمالا دراميَّة مقتبسة، ولم يشر لتلك الأعمال الأصلية. نحن بحاجة للنص، وللكتاب، وهذا ما يتقص الدراما العراقيَّة. إضافة إلى أن الأعمال الرمضانيَّة لهذا العام كانت ضعيفة.