الجفاف.. اغتيال الأرض

ريبورتاج 2022/05/24
...

  عمـّار عبد الخالق 
  تصوير: خضير العتابي
يشكل الفرات ودجلة شرياني العراق، بهما يمد بالحياة، لكن في الفترة الأخيرة، قلت الحياة وبدأت تتلاشى مباهجها، إذ شهد العراق تراجعاً كبيراً في مناسيب نهري دجلة والفرات، خاصة في المحافظات الجنوبية، ما دفع بمنظمات حقوقية ونقابات إلى التحذير من آثار كبيرة على القطاع الزراعي واحتمال توقف بعض محطات مياه الشرب في تلك المحافظات، لكن وزارة الموارد المائية أكدت أن لديها خزيناً مائياً مناسباً لهذا الموسم.
يذكر أنه يستهلك سُكان العراق -البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة الآن- ما يُقدر بـ 71 مليار متر مكعب من المياه، وعام 2035 سيصل عدد السكان إلى أكثر من 50 مليوناً، ومن المتوقع أن تنخفض المياه السطحية إلى 51 مليار متر مكعب سنوياً بعد إكمال كل المشاريع خارج الحدود.
 
دمار
وبشأن إيرادات المياه القادمة من إيران، هناك تفاوت وقلة في الإيرادات في سد دربندخان بمحافظة السليمانية بكردستان العراق، إذ وصلت إلى معدلات متدنية جداً، وكذلك سد دوكان في المحافظة نفسها والذي وصلت نسبة الانخفاض فيه إلى 70%. إلا أن ديالى هي الأكثر تضرراً كونها من المحافظات الزراعية المهمة ومصدر إروائها يعتمد على نهر ديالى سيروان بحوالي 80%، وكذلك نهر دجلة نحو 19-20%.
وتسبب انخفاض معدلات الإيرادات المائية في مناطق وسط وجنوب البلاد - وتحديداً الأهوار- بارتفاع نسبة الملوحة بالإضافة إلى تباطؤ سرعة جريان هذا المجرى، مع احتمال تكرار جفاف السنوات السابقة، لاسيما أن معدلات التبخر عالية.
وهكذا فإن الجفاف يطرق الأبواب، لكي ينذرنا أن دماراً ما بانتظارنا، دمار الجفاف الذي لن يعصمنا منه سوى إدارة مائية تحرص على هذا البلد الذي يعاني سكانه من أدنى متطلبات الحياة، حتى صار واحداً منها الماء.
وفي هذا الصدّد طرحت "الصباح" سؤالًا لبعض النخب الاقتصادية والبيئية لمعرفة كيف أن العراق قادر على مقاومة الجفاف؟. 
 
الاقتصاد والجفاف
يرى الخبير الاقتصادي رائد الهاشمي أن تغيرات المناخ التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة أثرت بشكل مباشر في جميع دول العالم وستكون لها تأثيرات كارثية في المستقبل القريب، ولقد دق ناقوس الخطر بشكل رسمي في جميع دول العالم وعقدت المؤتمرات والاجتماعات وتم اتخاذ قرارات وتوصيات عامة لتقليل حجم الكارثة، والعراق يُعدّ من أكثر الدول تضرراً بهذه الظاهرة، إذ تم تصنيفه كخامس دولة في العالم من حيث التأثر بالتغير المناخي والاحتباس الحراري، ولعل ما نشهده اليوم من ظاهرة جفاف الأنهر والبحيرات، وانتشار ظاهرة التصحر المخيف في جميع أنحاء العراق، يعتبر من المؤشرات الخطيرة التي تنبئ بمستقبل كارثي على العراق وأمنه الاقتصادي والغذائي.
 
تجاهل
وأضاف الهاشمي: أمام هذه التحديات الخطيرة التي تواجه العراق وشعبه لم نجد موقفاً جاداً من جميع الحكومات العراقية المتعاقبة، وكانت تقتصر على تصريحات أو مذكرات خجولة لتركيا وإيران، فقامتا بتجاهلها واستمرتا على تماديهما، والمطلوب الآن وفي هذا الوقت الحرج من تاريخ العراق أن تقوم الحكومة والبرلمان بإجراءات سريعة وحاسمة أهمها، قيام وزارة الخارجية باستدعاء سفيري إيران وتركيا وتسليمهما مذكرتي احتجاج شديدتي اللهجة، وتتضمنان انذاراً بأنه في حالة عدم الاستجابة لمطالب العراق فإنه ستقطع العلاقات الاقتصادية، ويتم إيقاف عملية التبادل التجاري بين الطرفين.
والقيام برفع شكاوى رسمية إلى جميع الهيئات والمنظمات الأممية وتكون معززة بالوثائق والأرقام عن حجم الكارثة التي تمر على العراق نتيجة قطع المياه عنه.
والقيام بإجراءات جادة وسريعة لإيجاد بدائل لاستيراد جميع أنواع المواد والسلع التي يتم استيرادها من إيران وتركيا، والبدء بتقليل الاستيراد بشكل تدريجي من البلدين، لأن السلع والبضائع التي يستوردها العراق من إيران وتركيا سنوياً وصلت إلى أرقام ضخمة جداً.
 
الآبار الجوفية
وبيّن الباحث والخبير الاقتصادي ملاذ الأمين، أن أسباب الجفاف غالباً ما تكون خارج الإرادة الإنسانية كونها تتبع التغيرات المناخية في الكوكب بصورة عامة، لذا فإن تفاديها حتماً سيكون صعباً إلا أنه يمكن التقليل من أضرارها من خلال الاستعداد لهذه الحالة.
وتابع الأمين: فيمكن أن تتوجه دائرة الآبار الجوفية التابعة لوزارة الموارد المائية إلى تثبيت مواقع لحفر الآبار في المناطق التي يصيبها الجفاف استعداداً لرفد هذه المنطقة بالمياه، والعراق يمتلك خزيناً هائلاً من المياه الجوفية، بسبب وجود نهري دجلة والفرات، إلا أن هذه المياه الجوفية قابلة للنضوب، وفي بعض المناطق تكون مالحة وغير صالحة للزراعة أو الشرب، ما يتطلب إجراء عمليات تحلية لها لجعلها مفيدة.
وأضاف الأمين: وتتميز الصحراء الغربية في العراق بوجود عدد من الواحات التي تتواجد فيها مياه صالحة إلا أنها قليلة وتغذي مساحات صغيرة للزراعة وعدداً بسيطاً من البساتين.
مشيراً إلى أن دائرة المياه الجوفية يجب أن تتخذ دوراً في رسم إدارة هذه المياه، خصوصا في مواسم الجفاف ومنع حفر الآبار العشوائية من قبل الأهالي، لأنها قد تسبب هدراً في هذه المياه أو انخفاض منسوبها بالإضافة إلى الأضرار الصحية.
 
الغطاء النباتي
بينما قال الناشط البيئي والخبير بشؤون المياه أحمد صالح نعمة: يعاني العراق موجة شح مائي كبيرة جداً في هذا العام كمثيلتها التي كانت عام 2017 إن لم تكن أقسى وذلك بسبب الشتاء غير الماطر لهذا العام وأعقبه الربيع غير الماطر ايضاً؟ وبالتالي لا وجود لخزين مائي يمول الأنهار خلال الرية الأولى والثانية للزراعة ما أدى إلى اتخاذ قرار تخفيض نسبة المساحة المزروعة إلى النصف، الأمر الذي سيتسبب بنقص حاد بالمنتج المحلي الحقلي، وقد يكون الصيف الحالي هو الأقسى من ناحية درجة الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة بالجو.
وأضاف نعمة: وينعكس ذلك على الغطاء النباتي البري ما يؤثر في التكاثر الحشري ونسبة المراعي والثروة الحيوانية وما يرتبط بها من صناعات تكميلية كمشتقات الحليب وغيرها، أما العواصف الغبارية فهي ليست بالجديدة ولكنها ستكون أكثر بالأعوام المقبلة بسبب تراكم الإهمال الحكومي الذي يجب أن يسير بالتوازي لمواكبة التغير المناخي، ويجب معالجة المتغيرات من خلال جملة أمور أهمها، زيادة الغطاء النباتي والحزام الأخضر المحيط بالمدن، ووضع نظم الري بالرش والتنقيط وغيرها من الأمور الكفيلة بتنظيم استهلاك المياه وعدم هدرها بالري السيحي، وتقليل الانبعاثات الغازية الصناعية، لا سيما النفطية منها. 
 
المناخ والحكومة
وأكد الكاتب والباحث صلاح حزام أنها ظاهرة مناخية، اعتاد العراق عليها، وكان هناك سعي منذ زمن عبدالكريم قاسم لإحاطة بغداد بحزام أخضر، لكن الاضطرابات السياسية جعلت هذه المقترحات لا ترى النور، والقضية الثانية أن حزام بغداد لم يكن أولوية حكومية، خاصة في النظام البائد، حين اجتثت مناطق خضراء، لأنها قد تكون مأوى لمن يطاردهم أزلام النظام، كما طلب قصي صدام حسين في إحدى المناسبات أن تقتلع أشجار في الكرادة، خوفًا من اختباء قناصين فيها، خاصة أنها قريبة من مواقع رئاسية.
 
حلول
وأضاف: أما عن الحلول لظاهرة التصحر، فلا حل سوى التشجير، وهذا يحتاج إلى رؤية واضحة، وإدارة حكومية، كأن يخصص مبلغ للتشجير، خاصة أن أسعار النفط قد ارتفعت، وتشجير الصحارى التي تحيط ببغداد، خاصة بوجود مياه جوفية وفيرة، كما أن الحل بتشجير الأرصفة، مثلا أن توزع الحكومة شجرة لكل بيت. 
وتابع : العراق ليس الوحيد، فلقد كانت ظاهرة التصحر تشكل عوقاً بحياة دول كبرى كالصين، يوم كانت تعاني بكين من العواصف الترابية، لكن الحكومة الصينية أخذت بخطة محكمة، منعت ذلك، فالحكومة العراقية إذا أرادت حلا، فهي قادرة وتستطيع.
مبيناً، أما الجفاف الذي يدب في العراق، فلا علاقة كبرى له مع التصحر، والجفاف يؤثر في المحاصيل، والبساتين، وحتى المياه القليلة المتوفرة الآن فهي كافية، لولا اتباع طرق السقي الحديثة، لكن طريقة الري التي يتبعها الفلاح العراقي، الري السيحي هو ما يسهم في قلة المياه، كما أنه في زمن النظام السابق، وحتى الآن، تمت إزالة مناطق مجاورة لبغداد ومنحها دوراً لفئات معينة، بعد أن كانت مصدر غذاء، وصانعة بيئة صحية.