حصتنا من المعجزة

العراق 2022/05/25
...

أحمد عبد الحسين
كل الأرصدة الرمزية، مهما بلغ قدرها وقدر أصحابها، قابلة للنفاد. سيأتي عليها يومٌ وتصبح نسياً منسياً. هذا الأمر يكاد يكون سنّة من سنن التاريخ، وما إن يطمئنّ أحد إلى منجزٍ حققه ويريد أن يمضي بقيّة حياته معتاشاً على ذلك المنجز إلا وتدهمه المفاجأة في صبيحة يوم ما: نعتذر لأن رصيدك الرمزيّ أصبح صفراً.
أفكّر بمجزرة العائلة الملكية في قصر الرحاب، كان سكّان القصر ـ رحمهم الله ـ مطمئنين إلى رصيدهم الكبير، ففي عهدهم لا في عهد غيرهم أصبح العراق دولة بعد أن كان ثلاث ولايات صغيرة على أعتاب الباب العالي، واعتاشوا مطوّلاً على منجزٍ لم يكونوا يظنون أنه سينتهي، وانتهى.
أفكّر أيضاً بالزعيم قاسم ملطخاً بدمه على كرسيّ في دار الإذاعة وكان حتى يوم أمس مطمئناً إلى أن ما حققه "تأسيس الجمهورية الأولى" يكفل له البقاء زعيماً أوحد، وظهر أن ذلك الرصيد نفد دون أن يدري.
ويمكنني، من بعيد، أن أفكّر بدولة عظمى كان اسمها الاتحاد السوفياتي حوّلت 100 مليون إنسان من فلاحين عبيد إلى مالكي أراضيهم التي يعملون فيها. كان الأمر معجزة، لكنْ حتى المعجزات ستتهرأ وتصبح مزقاً إذا قررتَ أن تعتاش عليها طوال حياتك.
عندنا، كان الأميركان يؤمّلون أن تطول إقامتهم في العراق بفضل رصيدهم الرمزيّ العظيم "أنهم خلصونا من صدام"، لكنّ مشكلات العراق الجديد المستعصية وأخطاء الأميركان وخطاياهم جعلتْ الرصيد ينتهي بسرعة.
كثير من ساسة العراق لم يتعلموا درساً من ذلك، وكيف يتعلّم من الحياة شيئاً من كان قلبه مأخوذاً بالمال لا شريك له؟ ألم يقل المسيح عليه السلام: "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك"؟ وهؤلاء القوم قلوبهم معلّقة بحسابات مصرفيّة.
أرصدة رمزية من قبيل "الديموقراطية، زوال البعث، تحرير المناطق، القضاء على الإرهاب، إعدام الطاغية، حريّة الرأي، تمثيل الطائفة" عظيمة ولها وقع ملحميّ على الأذن، لكنها لم تعد فعّالة، انتهى وقتها وصارت لفرط تكرارها في الدرجة صفر من التأثير.
والآن؟ ماذا نفعل؟
عليك أن تكون واقعياً جداً إذا شعرت بأن رصيدك من المعجزات انتهى.