المتحف العراقي.. كنوز وآثار فريدة من نوعها في العالم

ريبورتاج 2022/05/25
...

  بدور العامري
  تصوير: نهاد العزاوي
المتاحف الأثرية هي المرآة العاكسة لحياة الحضارات القديمة وشعوبها بمختلف تفاصيلها، فما بالك بالعراق (بلاد ما بين النهرين) الذي احتضن أهم العواصم والمدن لتلك الحضارات، إذ مثلت مدن أريدو والوركاء وهيت ولكش وبغداد، أهم مراكز إشعاع الحضارة للعالم، ما حبا هذه البقعة من العالم بكنوز أثرية ليس لها مثيل في أي مكان آخر. المتحف العراقي في بغداد والحديث عن أهم المشكلات التي يعاني منها قطاع الآثار في البلاد مع الحلول المطروحة من ذوي الاختصاص، كانت موضوع ريبورتاج (الصباح) هذه المرة.
 
تسلسل زمني
يحتل المتحف العراقي الذي تم افتتاحه بشكل رسمي عام 1966الترتيب الخامس بين متاحف العالم، لما يحتويه من نفائس وتحف أثرية لا تقدر بثمن، معاون المدير العام لدائرة المتاحف والآثار في وزارة الثقافة والسياحة والآثار الدكتور عباس منديل، تحدث عن أهم تفاصيل المتحف العراقي الذي يضم حالياً أكثر من (9727) قطعة أثرية لمختلف العصور القديمة، إذ توزعت المعروضات بين (24) قاعة مختلفة الأحجام والسعة، وأوضح منديل أن قاعات المتحف صممت وفقاً للتسلسل الزمني لظهور تلك الحضارات، بدءاً من معروضات عصور ما قبل التاريخ وإنسان (النيادرتال) مروراً بالحضارة السومرية والبابلية والآشورية والأكدية ثم الحضرية والإسلامية بمختلف فتراتها المتأخرة والمتقدمة.
 
روائع الفن
ما بين تماثيل لشخصيات دينية وحكام وملوك مثل إله الحكمة والمعرفة (نابو) وحراس المعابد أشخاص لهم أربعة أرجل ورأس نسر أو ثيران مجنحة وقطع من الأختام الاسطوانية المصنوعة بطريقة فنية رائعة، كل هذه المعروضات كانت تستهوي السياح الأجانب قبل العراقيين وتتطلب منهم وقوفاً طويلاً أمام جمال وعظمة صناعتها، وهذا ما أشار إليه عالم الآثار الإيطالي باولو بروساسكو الذي قال في لقاء لصحيفة (نيويورك تايمز) "بينما توجد نماذج أثرية رائعة من متحف الحضارة السومرية في أماكن خارج العراق مثل متحف اللوفر في باريس، والمتحف البريطاني، ومتاحف الدولة في برلين ومعهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، فإن المتحف العراقي يحتوي على كل روائع ذلك الفن".
 
سرقة الآثار
الظروف غير الطبيعية التي عانى منها البلد خلال القرن الماضي وحتى الآن، مثل الحروب وسيطرة الدول الاستعمارية على مقدرات البلاد مطلع القرن الماضي، إضافة إلى أحداث عام 1991وما تلاها من تدهور كبير في جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، جعلت تلك الآثار عرضة للنهب والسرقة بشكل مستمر وغير معلن وبحسب وزير الثقافة والسياحة والآثار السابق الدكتور المرحوم عبد الأمير الحمداني في أحد حواراته المتلفزة "الممارسات الرعناء غير المهنية لنظام صدام في التجاوز على المواقع المحرمة تسببت بتدمير آلاف المواقع الأثرية في محافظات الوسط والجنوب وتركها عرضة للنهب والسرقة" أما بعد عام 2003 فقد تعرضت الآثار والمتحف الوطني العراقي إلى عملية نهب وسرقة منظمة، هي الأكبر من نوعها في العالم، ليكمل عليها ما قامت به عصابات داعش الإرهابية من تدمير ونهب أغلب المواقع الأثرية في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وغيرها. 
التعافي
للتعريف بأهمية الآثار والتراث في حياة المجتمعات ارتأى المجلس الدولي للمتاحف (الايكوم) تخصيص يوم عالمي للمتحف الدولي، إذ يعتبر مناسبة عامة للاحتفال الذي يبدأ يوم 18 أيار من كل عام ويستمر لمدة أسبوع أو شهر كامل، بحسب الفعاليات والنشاطات المعدة لهذا الحدث المهم، إذ تتنوع بين البرامج الثقافية والمعارض الفنية، المجلس الدولي للمتاحف اختار لهذا العام شعاراً يتماشى مع الأحداث والظروف التي مر بها العالم نتيجة وباء كورونا وتداعياته على جميع الأصعدة، إذ حمل عنوان (مستقبل المتاحف التعافي والتخيل)، إضافة إلى ترجمة أهداف المجلس المتمثلة بالبحث والحفظ والاستمرار والتواصل مع المجتمع في ما يتعلق بالتراث الطبيعي والثقافي للعالم في الحاضر والمستقبل المحسوس وغير المادي.
 
منظمات متخصصة
للمناسبات الثقافية العامة دور كبير في توعية وتثقيف المواطنين بصورة خاصة ودول العالم بصورة عامة، بضرورة المحافظة على هذه الآثار وأهمية إعادتها إلى موطنها الأصلي، في ما يتعلق بتلك التي تم تهريبها خارج العراق، وفقاً للقوانين التي نصت عليها اتفاقات منظمات اليونسكو والمؤسسات المتخصصة بحماية الآثار، وأهمها اتفاقية عام 1970 والخاصة بوسائل الحظر والحيلولة دون استيراد وتصدير ونقل الملكية الثقافية بصورة غير مشروعة، وعلى صعيد متصل أكد الدكتور عباس منديل أهمية انضمام العراق إلى المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) الذي لا يزال خارج عضويته بسبب مشكلات إدارية، وتابع منديل بشأن ما يوفره المجلس من حماية دولية للآثار العراقية، إضافة إلى تعزيز عمل المتاحف على المستوى العالمي، فضلا عن الدعم اللوجستي والامكانات المعلوماتية المتبادلة بين المتاحف باعتباره نافذة ثقافية عالمية.
 
القائمة الحمراء
هناك عوائق كبيرة تواجه عملية استرداد الآثار العراقية من الخارج، خاصة تلك التي تمت سرقتها من المواقع الأثرية عن طريق النبش العشوائي، إذ يبين مدير قسم الإعلام في هيئة الآثار والتراث حاكم الشمري صعوبة استرداد مثل هكذا قطع، لكونها غير مسجلة لدى المتاحف العراقية.
وتابع الشمري بخصوص الآثار التي نهبت من المتحف العراقي: يكون الأمر فيها أكثر سهولة باعتبارها مسجلة في بيانات الوزارة، وقد تم اشعار العالم بأعدادها وأوصافها عن طريق قائمة أعدت لهذا الغرض وسميت بـ(القائمة الحمراء)، إذ تم على هذا الأساس استرداد أكثر من 15 ألف قطعة أثرية مسروقة أو مهربة خلال الأعوام الماضية نتيجة الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الجهات المختصة في العراق، والتعاون الدولي المثمر في هذا المجال.
 
هوية بلد
النهوض بواقع المؤسسات الأثرية والتراثية في العراق، يتطلب تضافر جهود جميع القطاعات دون استثناء، إذ يبين وكيل وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور قاسم طاهر السوداني "أن المتاحف الأثرية لا تتعلق بجهة معينة بذاتها، إنما هي قطاع وطني يعبر عن هوية هذا البلد، مؤكداً أهمية فتح أبواب جميع المتاحف في البلاد، خاصة الموجود منها في المحافظات ومراعاة التصاميم المتبعة في تشييدها، لتستوعب هذا الإرث من الكنوز الكبيرة والوفيرة التي لا تزال بحاجة إلى عرض متحفي يليق بها أسوة بالدول الأخرى، وأشار السوداني إلى نية الوزارة باستحداث (متحف العراق الكبير) باعتباره مشروعا واعدا خطط له أن يحتوي على عدد كبير من القاعات بهدف ضمان عرض جميع الآثار والتحف التراثية.
 
حماية ذكية
على الرغم من الجهود المبذولة في مجال حماية الآثار، إلا أنه ما زالت المواقع الأثرية تتعرض للنهب والسرقة بسبب عدم وجود منظومات حماية ذكية تعمل بشبكات الأقمار الصناعية، كما يعتقد الشمري "أن قطاع الآثار في العراق ما زال يشكو الإهمال وضعف التعاون من جميع الأطراف ذات العلاقة، خاصة في ما يتعلق بحماية هذا الموروث الثقافي المهم، إذ يعاني من قلة عدد منتسبي الحماية من الشرطة المكلفين بحماية المواقع الأثرية مقارنة بالحاجة الفعلية، وكذلك عدم وجود طرق نظامية ومعبدة من الأسباب التي تعيق عملية وصول الحراس والمركبات إلى بعض المواقع، وبالتالي صعوبة مراقبتها وحمايتها.
 
الثقافة الأثرية
هناك ضعف كبير في واقع الثقافة الأثرية وتعريف المواطن بأهمية الآثار والتراث وكيفية المحافظة عليها، والترويج لها، وخير مثال ما قامت به مصر من كرنفال مهيب قبل عدة أشهر واستقبال المومياوات الفرعونية بعد عودتها من رحلة الترميم، وكيف أخذ الحدث صدى واسعاً وتناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية على حد سواء، هذا ما تحدثت به معنا إحدى زائرات المتحف عندما أبدت استغرابها لموقف منعنا من دخول المتحف بصحبة الكاميرا!، الأمر الذي دفعني للتجرد من شخصيتي كإعلامية لمدة خمس عشرة دقيقة والدخول كزائرة اعتيادية بعد دفع ثمن التذكرة المحدد بـ (3 آلاف دينار عراقي)، بتجرد وموضوعية نجد أن مثل هكذا تعامل لا ينسجم مع تصريحات الإخوة مسؤولي الإعلام والعلاقات العامة في جميع مؤسسات الدولة حول مذكرات التفاهم والتعاون مع شبكة الإعلام العراقي (إعلام الدولة) ومؤسساتها.