د. صفد الشمري
الشائعات الإلكترونيَّة صارت واحدة من أكثر الممارسات الرقميَّة خطورة في المجتمعات المعاصرة لما يمكن أنْ تحدثه من آثارٍ سلبيَّة وتصدعات عن بين الأفراد والمجموعات، باعتمادها تقانات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات التضليل، التي يمكن أنْ يسندوا بوساطتها الكثير من المحتويات الملفقة والمزيفة، التي قد تحدث ردود أفعالٍ غير ممكن السيطرة عليها.
على وفق الأساليب المنظمة والعشوائيَّة، يجري اليوم إطلاق العشرات من الشائعات عبر الأوعية الرقميَّة في المجتمعات المحليَّة، يكون منها ما هو مقصودٌ لأغراضٍ ستراتيجيَّة، تتبناها جهات كبرى ومنظمة، أو ربما لتطلعات فرديَّة لا ينتظر مروجها الالكتروني إلا الشهرة أو الانتشار وأعداد المتابعات المتزايد، إلا أنَّ من يدفع ثمن فاتورة تلك الشائعات بالكامل هو المستهدف منها.
خط الشروع
قبل كل شيء علينا أنْ نعي بواعث مروجي الشائعات الإلكترونيَّة، بهدف قياس أبعاد وأهداف محتوياتهم المضللة التي تحتوي على الشائعات، فعلى مستوى الأفراد فإنَّ تلك الشائعات تهدفُ في الغالب إلى تشويه صورة الآخرين وتأليف القصص عنهم، حول مستوى أخلاقياتهم وسلوكياتهم وعلاقاتاهم وتوجيه التهم إليهم والتهجّم عليهم ويتجسد هذا مع حالات الصراع السياسي والاجتماعي والمهني بمجالاته كافة، أو الإيقاع بين الناس لإحداث الفرقة بينهم وتعميق الخلافات.
وكذلك بمدعى إرضاء الأصدقاء، إذ يلجأ البعض الى بث الشائعات أو احتضانها والترويج لها إرضاءً لأحد أصدقائه ممن تجمعه معه المصالح، ومع مع تنوع أشكال النفس البشريَّة وما فيها من أهواء واتجاهات ورغبات وبقصد الأصدقاء الواقعيين والافتراضيين والمتابعات الإلكترونيَّة، يعمد البعض على نشر الشائعات لتحقيق تلك الأهداف، التي ترتبط برغبات جلب الشهرة. وعلى مستوى الجماعات فإنَّ هناك عدداً من الأهداف التي تكمن وراء نشر الشائعات الإلكترونيَّة، ومنها ما يراد منه تخفيف العبء عن أفراد الجماعة تجاه واجبٍ معينٍ أو تكليفٍ أو التزامٍ ما، فيتكون عن طريق هذه الشائعات رأيٌ عامٌ ضاغطٌ داخل المجموعة من أجل الوصول الى هدفها، أو تبرير الإخفاق، بإطلاق المجموعة للشائعات تتحدث فيها مثلاً عن وجود عوامل خارجيَّة وداخليَّة وصعوبات وتعقيدات ومخاوف أكبر منها مما جعلها عرضة للفشل.
وهناك شائعات ترويج المنتجات والخدمات بأنواعها المختلفة وتكون شائعات محبوكة ومدروسة بشكلٍ جيدٍ والغرض منها قيام المستخدمين بشراء المنتج أو استخدام الخدمة مثل إظهار جودته ومميزاته، وعناصره الفعالة وطبيعة الخدمة التي يقدمها وما يوفره من جهدٍ ووقتٍ أيضاً، وهذه الشائعات هي ليست حصراً على الجانب الاقتصادي، بل تشمل الجوانب السياسيَّة مثل سعي الأحزاب لترويج الأفكار أو أوقات الانتخابات، في مقابل شائعات تعطيل رواج منتجات وخدمات الجهات المنافسة وهذا النوع من الشائعات يرمي الى تعطيل أو إيقاف القدرة التنافسيَّة للمقابل وإبعاده عن ساحة المنافسة.
التصدي الرقمي
يمكن التصدي إلى الشائعات الإلكترونية عبر مناهج رقمية متعددة، من الإفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، المعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل المعلومات ورصد الأخبار المزيفة بشكلٍ فوري وأوتوماتيكي وأكثر سرعة من مجموعات رصد المعلومات المزيفة التقليديَّة، فضلاً عما يعرف بالتعقب الرقمي، الذي يهدف إلى تتبع انتشار الشائعة، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل فوري ومنظم.
ومن أبرز أمثلتها موقع Emergent، وهو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز “تو للصحافة الرقمية” بجامعة كولومبيا، ويقوم الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات. وهناك ما يعرف بمراكز التحكم في الشائعات، مزودة بالتقنيات والتطبيقات التقنية اللازمة لمتابعة الفضاء السيبراني ورصد الشائعات، لا سيما في فترات الأزمات والطوارئ، وتزويد المواطنين بالمعلومات الصحيحة عن طريق قنوات الإعلام والتواصل المختلفة، فضلاً عن وسائل الإعلام التقليدية، إلى جانب الإفادة من المبادرات المتخصصة، عبر مشروعات يتم إطلاقها بغرض مكافحة الشائعات في فترة أو نطاق محدد.
ومن مناهج التصدي للشائعات الإلكترونية اعتماد “المكافحة التشاركية”، التي تقوم على إدماج المستخدم نفسه في مواجهة الشائعات، عن طريق نشر الوعي بين المستخدمين، وحثهم على الإبلاغ عن المحتوى المشكوك فيه، كذلك تتم مواجهة الشائعات الإلكترونية بمنهج نظم إدارة السمعة الرقمية، التي ارتبطت بالعلاقات العامَّة وبيئة الشركات والأعمال.