أحمد عبد الحسين
قرار تجريم التطبيع مع "إسرائيل" طبيعيّ وضروريّ باعتباره أضعف الإيمان الذي لا نقوى على سواه. ولا أفهم منطق من يقف بالضدّ منه. حقاً لا أفهمه.
أعرف أنَّ الملاحم اللفظية الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود ازدهرتْ في النكبة ومرضتْ على يد عبد الناصر وأصابها السلّ زمن صدام وصارتْ تهريجاً زمن القذافيّ. بعدهم صارت النغمة تعادُ لكنْ من دون ثقة القائل بما يقول.لماذا؟ لأننا نحن بدولنا وجيوشنا وخطابنا الذي نوجهه للعالم، في أكثر حالاتنا ضعفاً وانحطاطاً، ولا سبيل إلى العمل إلا بأضعف الإيمان، لأن "أقوى الإيمان" غير متاح لنا. وإذا سألتني عن السبب فأنا لا أرى سبباً آخر سوى أنّنا لم ننتبه كثيراً للصهيونيّ الذي بين ظهرانينا، لم نتلمّس جيداً أنَّ ممارسات السلطة لدينا ـ عبر تاريخ دولنا ـ تماثل انحطاط وعنصرية ووحشية أفاعيل كيان الفصل العنصريّ الذي يحتل أرض فلسطين. ونكاية بالحقيقة وتشفياً بالضمير لم تكتف السلطات العربية بأن تقلّد إسرائيل تقليد القرد لمروّضه بل وصمتْ كلّ من يخالفها بأنه مدعوم من إسرائيل.
إسرائيل نشرتْ قناصتها لقتل المتظاهرين العزّل. ألم نفعل ذلك وأكثر؟ كسرتْ أيدي الأطفال الذين رموا جنودها بالحجارة، ألم يعجبنا المشهد فرحنا نكسّر أيادي الصبيان المتظاهرين ونقتلهم بدمٍ بارد؟ كشفتْ إسرائيل عن وجه دينيّ سافرٍ يبيح لها أنَّ تهزأ بأعراف الإنسانية حين كانت تفتك بمدنيين عزّل أمام الكاميرات، نحن فعلنا ذلك بمشاهد أكثر ترويعاً أمام العالم كلّه، ودونك مشاهد ميدان التحرير في القاهرة "2011 ـ 2013" وساحة التحرير ببغداد "2019 ـ 2020 " لتعرف أنَّ إسرائيلياً عنصرياً مدججاً بالسلاح يدور على عواصم العرب ويفتك بالمدنيين.
الصهيونيّ الذي فينا هو السبب، هو الذي زرع بذرة الخراب هنا في هذه الأرض، أضعف دولنا وجعل جيوشنا كيانات هشة مقارنة بالجموع الأخرى التي تحمل السلاح، أوقف صناعتنا وجعلنا مجرد سوق لبضاعة الآخرين، قتل هويتنا الوطنية وتركنا نستجدي هوية طائفية تُشرف عليها دول أخرى، ولكي يكتمل المشهد الكابوسيّ فإنك إذا اعترضت على هذا الجحيم الذي صنعه أناس يقلدّون الصهيونيّ ستكون أنت المتصهين!.
تجريم التطبيع مع كيان عنصريّ مغرق في دينيته المتوحشة، أمر محمود وهو في أدنى ما يجب أنَّ تكون عليه المواقف، لكنه سيكون كاملاً حقاً لو ترافق مع تجريم من دمّر دولاً وأضاع شعوباً كانت قادرة حقاً على استرداد فلسطين من فم الذئب.